من أجل إعادة انتخابه على رأس الجزائر.. أكاذيب تبون تجتاح البلاد بأكلمها

حتى وقت قريب، كانت الأكاذيب الفظة من اختصاص الرئيس الجزائري تقريبا. لكن كلما اقترب موعد الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في شتنبر المقبل، كلما زاد عدد المؤيدين لتصريحات تبون المستحيلة، داخل الحكومة والأحزاب السياسية وطبقة رجال الأعمال.

إن الحدث يستحق التوقف عنده لسبب واحد: أينما كان عبد المجيد تبون حاضرا، فالفرجة مضمونة. وكان هذا هو الحال بالفعل عندما افتتح رئيس الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، يوم الاثنين 24 يونيو، معرض الجزائر الدولي في قصر المعارض، الصنوبر البحري (اعترفوا بأنه عنوان رائع). لكن الحدث تحول إلى مزايدات حول من يأتي بأكبر كذبة.

 

إن هذا الحدث وحده يبلور الاستراتيجية الحالية برمتها لرئيس الدولة المفترض: تلميع صورته بأي ثمن، وإظهار نفسه في أفضل حالاته عشية تقديم ترشيحه بشكل رسمي لولاية رئاسية ثانية. وذلك من خلال توريط ليس محيطه فحسب، بل وأيضاً كل القوى الحية في البلاد: قيادة الجيش، وبطبيعة الحال، أعضاء الحكومة الشكلية وطبقة رجال الأعمال الخانعين. لقد كانت بحق لحظة تلفزيونية: خطابات عصماء عن عظمة الجزائر، وزيارات إلى منصات الفاعلين المحليين (نفس كوندور وسيفيتال)، وبالطبع، التوقف طويلا عند منصة المؤسسة المركزية للبناء، التي هي « مصنع » الجيش الجزائري.

 

وهكذا، تم عرض مركبات عسكرية غامضة، ومدفع رشاش لوح به رئيس الدولة باعتزاز، أما جوهرة هذا العرض هو نموذج لمستشفى ميداني عسكري. تبون المنتشي بالعديد من الابتكارات « المصنوعة في الجزائر »، طلب تصنيع اثنين (أو… 3) في 10 (أو… 15 يوما). من أجل غزة. حسنا، نعم، كان عليه أن يثير فلسطين.

 

وفي الأخير، كان رجال الأعمال والعسكريون والوزراء الذين يؤيدون الطموحات غير المعقولة لرئيس الدولة، والذين، وهذه هي الطامة الكبرى، يمنحونها المصداقية، من خلال تقديم عروض باوربونيت (Powerpoint). وعندما لا يجدون أي شيء للمزايدة، يقسمون كما لو أن التعليمات الصادرة على عجل قد تم تنفيذها بالفعل.

 

كل هذا تحت أنظار نائب رئيس الجمهورية التركية جودت يلماز الذي كانت بلاده ضيف شرف المعرض. ستقول الألسنة اللئيمة إنه إذا قام المسؤول التركي بالزيارة، فهي قبل كل شيء في أفق اتفاق تجاري تفضيلي لتعزيز الصادرات التركية بأكثر من 2.5 مليار دولار من منتجات متنوعة، أما الواردات (أكثر من 3.5 مليار دولار) فتقتصر على المحروقات الجزائرية. بل إن الهدف هو زيادة الصادرات التركية إلى 10 مليارات دولار « بحلول عام 2030″.

 

وما لفت الانتباه بشكل خاص هو العرض الذي قدمه وزير التجارة وترقية الصادرات الجزائري، الطيب زيتوني، لآخر الإحصائيات المتعلقة بالاقتصاد الجزائري « في مختلف المجالات والقطاعات ».

 

ما هي الخلاصة؟ أنه في عهد تبون حطمت الجزائر جميع الأرقام القياسية للأداء الاقتصادي. منذ وقت ليس ببعيد، كان قادة نظام الجزائر حذرين ويتحدثون عن الإنجازات التي ستتحقق في المستقبل، فقط للتغطية على الإخفاقات الحالية. من الآن فصاعدا، وهذا توجه جديد، أصبح الكذب المرضي يصرف… في الماضي.

 

لا نعرف كيف أفلت منا هذا الأمر، لكن مع تبون، المستقبل أصبح وراءه. وهكذا، بين عشية وضحاها. أمثلة: ارتفعت صادرات الجزائر غير المحروقات من 3.8 مليار دولار في عام 2020 إلى 7 مليارات دولار « هذا العام ». وفي عام 2030، ستصل إلى 29 مليار دولار. هكذا بكل بساطة !

 

الواردات؟ انتقلت من 60 مليار دولار في 2020 إلى 45 مليار دولار في 2023. إن حرمان شعب بأكمله من المنتوجات الأساسية لتقليص الميزان التجاري بـ15 مليار دولار فهذه هي المعجزة الاقتصادية الجزائرية. ثم هناك مواد البناء، التي كانت الجزائر تستورد منها مليار دولار قبل تبون وتصدرها الآن بقيمة 1.3 مليار دولار.

 

لولا الأعطاب التقنية التي حدت من تمرير الشرائح أثناء هذا العرض، أو حتى مواء قطة، من الواضح أنها انزعجت من الكثير من الأشياء غير المعقولة، لكنا علمنا أشياء أكثر وأفضل. لنأخذ الأمور بجدية ونتساءل: على من نضحك في الجزائر؟ لقد وصل الأمر بالقطط أنها لم تعد تطيق مثل هذا السيل من الأكاذيب والأرقام التي لا تتوافق بأي شكل من الأشكال مع الواقع…

 

ومن المنتظر أن يستمر هذا الأمر طوال فصل الصيف، بعد أن حددت الهيئة الوطنية المستقلة للانتخابات 18 يوليوز كموعد نهائي لتقديم ملفات الترشح للانتخابات الرئاسية المقررة إجراؤها يوم 7 شتنبر المقبل. ويمكن القول إن تبون لا يزال لديه مجال لتلميع حصيلة يجمع الكل على أنها كارثية وذلك باستعمال المعطيات المغلوطة والأكاذيب.

لأنه لا يخطئن أحد، فإن الهدف الوحيد وراء كل هذا ليس سوى تمهيد الطريق لترشيح الرئيس المنتهية ولايته لولاية ثانية. ولن تكون مفاجأة.

نمو بنسبة 46% في 3 سنوات!
كما أمر وزير التجارة وترقية الصادرات المسكين بإخفاء حصيلته الكارثية وتقديمها على أنها إنجاز، هناك حالياً العديد منهم في جارتنا يستخرجون قصص نجاح غير موجودة من قبعاتهم. لاحظوا جيدا، من بين أمور أخرى، 6.2 مليار دولار من الصادرات الصناعية، و397 مليون دولار من المنتجات الفلاحية والصناعية، و34.36 مليون دولار من منتجات الصيد البحري. كل هذا في عام 2023 وحده.

يوم الأحد الماضي، اضطر حتى رئيس الدبلوماسية الجزائرية إلى تغيير قبعته ليصبح خبيرا اقتصاديا، مشيدا بالنتائج الإيجابية « التي أكدتها جميع المؤشرات الاقتصادية الوطنية: معدل نمو قدره 4.2%، وناتج داخلي خام قدره 260 مليار دولار أمريكي، واحتياطيات من النقد الأجنبي تتجاوز 70 مليار دولار أمريكي، وصادرات غير نفطية ستتجاوز قريبا عتبة 10 مليارات دولار أمريكي ».

وتابع أنه للحفاظ على هذه المكتسبات الثمينة، « يتعين علينا اليوم مواصلة العمل المنجز وفق المقاربة التي رسمها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون ». نرى من بعيد رئيس الدولة المتواضع جدا يحمر خجلا أمام كل هذا الثناء والمديح. كما أننا سوف نناشد القادة الجزائريين أن يحسنوا مستواهم في اللغة العربية.

من خلال التلاعب بالإحصائيات، ارتفع الناتج الداخلي الخام للجزائر، الذي كان يبلغ 187 مليار دولار سنة 2022 (معطيات صندوق النقد الدولي)، إلى 225 مليار دولار (تصريح الرئيس تبون في 5 غشت 2023)، ثم إلى 233 مليار دولار (تصريح أيمن بن عبد الرحمان، الوزير الأول السابق) في 17 شتنبر 2023.

ومن خلال التلاعب نفسه، من المفترض أن تصل الثروة التي خلقتها الجزائر إلى 260 مليار دولار في عام 2024، وذلك حتى دون أن يشهد الاقتصاد الجزائري أدنى تغيير هيكلي. وبالتالي، من المتوقع أن ينمو الناتج الداخلي الخام الجزائري بنسبة 46 % في غضون… ثلاث سنوات. معجزة. بهذه الوتيرة، وبحلول نهاية الصيف الذي يَعِد بأن يكون صعبا وإجراء الانتخابات الرئاسية، فمن المؤكد أن الناتج الداخلي الخام سوف يتضاعف بمرتين أن ثلاث مرات. هل فشلت البريكس؟ طز!

نظام الجزائر يرفض رؤية الواقع
نحن نتحدث عن نفس الجزائر حيث لا تتوفر وهران وتيارت والعديد من المناطق الأخرى (في الشمال) على إمكانية الوصول إلى مياه الشرب. وهذا هو نفس البلد الذي لم تنتج فيه مشاريع « هيكلية » مثل مصنع فياط في وهران سيارة واحدة. كما يحدث في نفس « القوة الضاربة » حيث يتوجب على المواطن أن يقف في الطابور عند الفجر للحصول على كيس الحليب.

إن نظام الجزائر يرفض رؤية هذا الواقع ويرفض السماح برؤيته، مما يؤدي إلى فرض قانون الصمت. بعد فشلهم في حل الأزمة التي تؤثر على جميع مجالات النظام الإنتاجي والمجتمعي، يختلق تبون وشركاه واقعا موازيا الذي يتم التطبيل له في قنوات الأخبار الجزائرية، العامة والخاصة. وإلا كيف يمكننا أن نفسر عنوان الوكالة الرسمية الجزائرية، الذي يتحدث عن « الإنتاج الوفير للقمح الصلب » الذي « مكن من تأمين 1.2 مليار دولار لصالح الخزينة »؟

هذا، في حين تعد البلاد من أكبر مستوردي هذه المادة في العالم.

تحية تبون!
وماذا عن الرئيس السابق لشركة سوناطراك توفيق حكار الذي أقسم سنة 2023 ويده على قلب أن الجزائر ستكون أول دولة إفريقية في مجال تحلية المياه وأنه الحصول على 1.3 مليار 3 مكعب يومياً من مياه الشرب من هذه التكنولوجيا أصبحت « ممكنة » في الجزائر؟ بكل بساطة لأن الأمر متروك لسوناطراك لتحقيق ما لا يمكن تحقيقه.

الوضعية ليست جيدة في المجال السياسي. وبعد أن خلق فراغا حوله في المشهد السياسي المهجور الآن، لا يواجه تبون الآن سوى الرجال والأحزاب التي تتغنى بمجده. انتهى زمن سعيد سعدي والحسين آيت أحمد. المجال أصبح مفتوحا أمام حركة البناء الإسلامية لعبد القادر بن قرينة، وما تبقى من جبهة التحرير الوطني المنهكة، والتجمع الوطني الديمقراطي لمصطفى ياحي، وجبهة المستقبل لفتح بوطبيق الذين يدعمون بقوة ولاية ثانية لتبون. وفي حين أن الأخير لم يتقدم حتى بترشيحه، إلا أن بن قرينة أثار ضجة كبيرة بتقديمه ترشيح تبون بدون علمه.

إذا كان هناك إنجاز واحد حققه رئيس الدولة الجزائرية حقا في الجزائر، فهو إشراك البلاد بأكملها في هذا السيل الجارف من الأكاذيب والمعطيات المغلوطة، مما خلق هلوسة جماعية حقيقية.