الدريوش : سليل قبيلة آيت سعيذ الأستاذ الرابح سعيد يغادرنا إلى دار البقاء

غادر الأستاذ الرابح سعيد دار الفناء ملبيا نداء ربه بتاريخ 28أكتوبر 2022 عن عمر ناهز السابعة والثمانين خريفا.

 

 

وقد وافته المنية بعد أن قضى ثلاثة أيام بقسم المستعجلات بإحدى مصحات مدينة فاس ،وذلك بعد أن صدمته سيارة بعد خروجه من المسجد وقد أدى صلاة الصبح،وقرأ حزب الراتب مع حفظة القرآن الكريم،وهو الورد الذي التزم به متقربا إلى الله منذ أن كان طالبا بجامع القرويين في الخمسينيات من القرن الماضي. عرف الفقيد بدماثة خلقه،وحسن معاملاته،وزهده وورعه،وحبه الشديد لمهنة التعليم،فكان خير معلم لأجيال وأفواج من التلاميذ،منهم من قضى نحبه ، ومنهم من ينتظر،سواء بمدرسة دار الحاج الطيب بآيت سعيذ إقليم الدريوش،أو بمدرسة الفيض بالناظور،أو في المدارس الابتدائية بنيابة فاس في التسعينيات وبداية الألفية الثالثة.

 

 

 

حفظ رحمه الله القرآن الكريم في سن مبكرة،بعدها التحق بجامع القرويين ليدرس متون الفقه والنحو وعلوم اللغة والمنطق،وعلم الأنصاص.ولا عجب إن وصف بالموسوعة بعدئذ،خاصة في علم القراءات،بكل ما تحمل كلمة (موسوعة)من معنى.

 

 

 

وكان صاحب نكتة وهو يحكي عن مغامراته وهو يتنقل بين المداشر بحثا عن فقهاء ورعين كرسوا حياتهم لتحفيظ القرآن الكريم للناشئة ،وكم كانت فرحة الآباء كبيرة حينما يختم أبناءهم السلكة حفظا عن ظهر قلب،بل إنهم كانوا يولمون الولائم احتفالا وابتهاجا ،لأن حفظ القرآن له ما بعده في التعليم والتحصيل الدراسي.ولكي تحضى قبيلته بهذا الاحتفال كان يتنقل بين مداشر قبيلة آيت سعيذ وتمسمان.

 

 

 

ولم ينس أبدا فقيهه المبجل بالدعاء له بالمغفرة لأنه علمه أبجديات الكتابة والقراءة بالمسيد أيام كان للمسيد دور تربوي هام للناشئة.

 

 

 

وقد خلف المرحوم مسودات ومخطوطات كثيرة في العلوم الشرعية،وعلم القراءات ،والفقه،والأنصاص التي كان مهتما بها ألى حد التصوف؛هذه المخطوطات سيستفيد منها لا محالة حفظة القرآن وطلاب العلم.وكان يستحيل أن تجالسه من غير أن تستمتع بعلمه الغزيز،كيف لا ؟وهو الذي كان يتملى بأسلوبه التربوي الأنيق المتناسق مع هندامه المغربي الأصيل والجميل،والذي كان لا يفارقه في الغدو ألى المساجد ابتغاء للصلاة والتعبد،أو إلقاء خطبة الجمعة ،أو ترؤس حلقة الدرس والموعظة.

 

 

حضرت معه في بعض المناسبات العائلية،وكان رحمه الله حريصا كل الحرص أن يحضرها معارفه من الفقهاء،وغالبا ما كان يستفتح هذه المناسبات بآيات بينات من الذكر الحكيم.

 

وغالبا ما تكون القراءة الجماعية للقرآن توطئة لمناقشة المتشابه من القرآن،وكان يعد العدة لتلقي أسئلة قد تكون محرجة من قبل الطلبة الحديثي العهد بعلم القراءات،إلا أن أجوبته غالبا ما تكون مفحمة للسائلين،فذخيرته الفكرية الخصبة كانت تسعفه ألى حد كبير للتخلص من حيل الفقهاء ،وما أكثرها في التراث الفقهي المغربي،حتى أصبحت حيل الفقهاء علما قائم الذات.

 

حكى لي المرحوم العلامة سعيد الرابح انه لما تقاعد عن العمل كأستاذ في التعليم الابتدائي ضاقت به الدنيا لانه اخلص في عمله أيما أخلاص ،وأدى رسالته التربوية بكل تفان ونكران ذات،كما شهد له بذلك كل من عاشره أو تتلمذ عليه،قصد جامع القرويين للأنخراط عودا على بدء في تلاوة حزب الراتب،كما دأب على ذلك وداوم عليه في الخمسينيات من القرن الماضي حيث كان طالبا مجدا ومجتهدا ،حفظ القرآن بإصرار قل نطيره،ووطد علاقة وثيقة باللوح والقلم والصلصال والسمخ آناء الليل وأطراف النهار.وكان له ما أراد.ومن ذلك الحين تقلد مهام إلقاء خطبة الجمعة ،والوعظ والإرشاد ،وتحفيظ القرآن الكريم للطلبة في جوامع فاس.

 

وقد كان رحمه الله محبوبا عند عامة الناس،مستمتعا باوقاته في حله وترحاله،متشربا وسطية ديننا الاسلامي الحنيف،مقتديا به في عباداته ومعاملاته.

 

ومنذ أن استقر بفاس في الثمانينيات من القرن الماضي ظل مسقط رأسه جماعة دار الكبداني اقليم الدريوش في السويداء من القلب،يزوره في العطلة الصيفية لصلة الرحم مع أهله وأحبائه،لا يهنأ له بال إلا بعد أن يزور الروضة مترحما على أبويه ،ويتفقد نوستاليجيا المكان ،دارأبيه المرحوم الحاج الرابح بلعيد الذي كان قبلة للفقهاء وطالبي العلم في الأربعينيات من القرن الماضي.

 

رحم الله الفقيد الاستاذ الرابح سعيد معلم الأجيال،وأسكنه فسيح جناته مع الذين أنعمت عليهم من النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين،وحسن أولائك رفيقا.

 

 

بقلم الأستاذ امحمد امحور