بقلم : مصطفى بنعودة
تشهد مدينة الدريوش وضعا مقلقا يرتبط بملف المنازل القديمة والايلة للسقوط، وهو ملف طال انتظاره وازدادت حساسيته في الفترة الاخيرة بعد الفاجعة الاليمة التي عرفتها مدينة فاس اثر انهيار عمارات سكنية اودت بحياة عدد من المواطنين. هذا الحادث المؤلم اعاد الى الواجهة سؤالا ملحا في الدريوش: هل هناك تحركات فعلية، جادة ومسؤولة، لإحصاء المنازل المهددة بالسقوط؟ وهل قامت لجان تقنية مختصة بمعاينتها وتقييم مستوى خطورتها؟ ام ان الوضع ما يزال معلقا الى حين وقوع كارثة مشابهة؟
المناطق الهامشية في الدريوش مثل حي تدينسيا، حي واد اسلان، حي ميدي 1، حي ربعين دار، اضافة الى منازل منطقة الفيلاج، تعاني منذ سنوات من هشاشة عمرانية واضحة وغياب المواكبة الميدانية اللازمة. هذه الاحياء تضم منازل شيدت بعشوائية او عمرت اكثر مما يسمح به الامان الانشائي، وبعضها لم يعد صالحا للسكن، ومع ذلك ما يزال يقطنه مواطنون لا يملكون بديلا اخر، مما يجعل حياتهم وحياة اسرهم معرضة للخطر في اي لحظة.
وفي هذا السياق، يصبح من واجب ممثلي الساكنة في مجلس جماعة الدريوش التحرك على مستوى اكثر جدية وصرامة، خصوصا ممثلي الدوائر والاحياء التي تنتشر فيها المنازل القديمة والايلة للسقوط. فالدور التمثيلي لا يكتمل بمجرد نقل مطالب المواطنين، بل يتطلب مواكبة ميدانية وفتح قنوات الاتصال مع الجهات التقنية والاقليمية للضغط من اجل اتخاذ تدابير عاجلة لتقييم المخاطر وتقديم الحلول.
ومن جهة اخرى، يبرز ايضا دور المجلس الاقليمي للدريوش، الذي يتحمل جزءا من المسؤولية في مواكبة هذا الملف بحكم الاختصاصات التنموية الموكولة اليه. فالتدخل الاقليمي يمكن ان يشمل دعم الدراسات التقنية، المساهمة في برنامج لاعادة الهيكلة، او تخصيص ميزانية خاصة للمنازل ذات الخطورة القصوى، الى جانب تنسيق الجهود بين الجماعات الترابية والسلطات المحلية.
ولا يمكن الحديث عن هشاشة المباني في الدريوش دون التذكير بعامل اساسي يزيد من خطورة الوضع، وهو ان المنطقة تشهد منذ سنوات هزات ارضية متكررة ومسترسلة، بعضها محسوس لدى الساكنة. ومع تعدد هذه الهزات، تصبح المنازل القديمة والعشوائية اكثر عرضة للانهيار، ما يجعل كل يوم يمر دون تدخل مسؤولا مباشرة عن تعريض السكان للخطر.
كما يجب استحضار الذاكرة الاليمة لفاجعة فيضانات واد كرت سنة 2008، التي تسببت في تهديم منازل عديدة وادت بحياة عدد من افراد عائلات كانت تعيش قرب مجرى الواد. فهناك الى اليوم منازل تضررت بشكل كبير خلال تلك الفيضانات لكنها بقيت مأهولة بسبب غياب بدائل سكنية، وهي منازل لم تخضع لاي ترميم او اعادة تقييم لوضعيتها، ما يجعلها قنابل موقوتة تهدد حياة ساكنيها في اي لحظة.
امام كل هذه المعطيات، يصبح التحرك العاجل ضرورة وليس خيارا. فسلامة ارواح المواطنين فوق كل اعتبار، وما يعيشه سكان الاحياء الهشة في الدريوش يستدعي خطة واضحة تشمل احصاء المنازل المهددة بالسقوط، ارسال لجان تقنية مؤهلة، توفير حلول استعجالية للاسر في خطر، ووضع برنامج متوسط المدى لاعادة الهيكلة او اعادة الاسكان.
ان الانتظار والتساهل في مثل هذه القضايا لا يؤديان الا الى الفاجعة. والدروس مؤلمة وكافية لمن اراد ان يعتبر. وعلى الجميع، من سلطات محلية ومجالس منتخبة واقليمية، تحمل مسؤولياتهم تجاه الساكنة التي تستحق العيش في سكن امن ولائق يحفظ كرامتها ويضمن سلامتها.
