فاجعة الفنيدق تكشف العبث.. علامة تشوير “متأخرة” تفجّر غضب المغاربة بعد كارثة شاحنة الموت

أعادت الفاجعة التي شهدتها مدينة الفنيدق صباح أمس السبت النقاش بقوة حول خطر مرور الشاحنات الثقيلة داخل الأحياء السكنية، بعدما فقد سائق شاحنة محمّلة بالأسمنت التحكم فيها، لتقتحم واجهة مقهى وسط المدينة، مخلفة ستة قتلى وثمانية مصابين في حادث مأساوي هزّ سكان المنطقة والمغاربة عموماً.

الصور ومقاطع الفيديو التي تداولها المواطنون أظهرت حجم الدمار داخل المقهى، فيما تحدث شهود عيان عن لحظات رعب عاشها السكان بعد دويّ ارتطام قوي، تبعته حالة فوضى وصرخات استغاثة. وأكد عدد من أبناء الحي أن المرور المتكرر للشاحنات الضخمة وسط الأزقة المكتظة كان دائماً مصدر قلق، خاصة أن الشوارع ضيقة والحركة التجارية نشيطة طيلة اليوم.

 

الحادث كشف خللاً واضحاً في تدبير حركة الشاحنات الثقيلة داخل المدن، إذ تعرف عدة مناطق بالمغرب اختلاطاً خطيراً بين مرور الشاحنات والمناطق السكنية التي تفتقر إلى البنية التحتية الضرورية لمسارات واسعة وآمنة. كما أن دخول شاحنات محمّلة فوق طاقتها يزيد من صعوبة التحكم فيها داخل المنحدرات والمقاطع الضيقة، ما يجعل أي خلل ميكانيكي أو خطأ بسيط سبباً مباشراً في وقوع كارثة.

 

وما أجّج الغضب في الفنيدق، هو قيام السلطات المحلية، بعد ساعات قليلة فقط من الفاجعة، بتركيب علامة تشوير تمنع مرور الشاحنات في المقطع نفسه الذي شهد الاصطدام. خطوة اعتبرها مواطنون “متأخرة جداً”، ووصفها آخرون بأنها محاولة لتدارك الوضع بشكل ارتجالي أو تغطية جوانب من المسؤولية، ما فجّر موجة استياء واسعة. وطرح سكان ومتابعون سؤالاً محورياً: لماذا لم تُتخذ هذه الخطوة قبل أن تُزهق ستة أرواح وتُسجّل ثمانية إصابات؟

 

وفي ظل هذه الانتقادات، دعا فاعلون جمعويون وحقوقيون إلى مراجعة شاملة لسياسة مرور الشاحنات داخل المدن، وتشديد الرقابة على الحمولة والفحص التقني والمكابح، وتحديد ساعات ومسارات مرور واضحة تمنع اختلاط المركبات الثقيلة بالمواطنين داخل الأحياء. كما طالبوا بإحداث مناطق تفريغ خاصة على أطراف المدن، لتقليل الحاجة إلى دخول الشاحنات إلى وسطها.

 

ورغم فتح تحقيق رسمي لتحديد المسؤوليات في فاجعة الفنيدق، يرى كثيرون أن القضية أعمق من مجرد حادث عرضي، وتتطلب رؤية وطنية واضحة تُجنّب تكرار مثل هذه المآسي، وتضع سلامة المواطنين فوق كل اعتبار.

 

فاجعة الفنيدق، بحصيلتها الثقيلة، تبقى جرس إنذار قوياً يدعو إلى إعادة النظر في تدبير مرور الشاحنات داخل المدن المغربية، حتى لا تظل الأرواح مهددة بسبب قرارات متأخرة وتشوير لا يأتي إلا بعد وقوع الكارثة.