المغرب والجزائر: بوادر اتفاق على نار هادئة

يشهد المشهد السياسي في شمال إفريقيا تحولات غير مسبوقة، بعد أن اعتمد مجلس الأمن الدولي في 31 أكتوبر 2025 خطة الحكم الذاتي المغربي كإطار واقعي ونهائي لتسوية النزاع حول الصحراء المغربية. وصف هذا القرار في أوساط دبلوماسية بـ”الزلزال السياسي الصامت”، نظرًا لتأثيره الكبير على موازين القوة في المنطقة، وما قد يترتب عنه من احتمالات لمصالحة تاريخية بين المغرب والجزائر.

 

 

الخبراء السياسيون يشيرون إلى أن المنطقة تتجه نحو مرحلة استراتيجية جديدة، قد تحول علاقة الجارين من التنافس الخفي إلى شراكة شاملة تشمل مجالات الطاقة والاقتصاد والأمن والهجرة. ويؤكد المراقبون أن هذا الانفتاح المحتمل ليس مجرد تحسن سياسي، بل فرصة لإطلاق مشاريع تكامل إقليمي طموحة على مستوى القارة الإفريقية.

 

وفق تقديرات مركز “جان جوريس” الأمريكي للأبحاث، فإن التقارب بين المغرب والجزائر قد يعيد الحياة إلى مشروع خط أنابيب الغاز المغاربي–الأوروبي الذي ظل متوقفًا لسنوات. كما أن التعاون قد يتوسع ليشمل منصة إقليمية للطاقة، تجمع بين الغاز الجزائري والقدرات المغربية في مجال الهيدروجين الأخضر، ما يضع أساسًا لـ”قطب شمال إفريقي” قادر على المنافسة على الصعيد العالمي.

 

كما تطرح للمرة الأولى فرص شراكات اقتصادية بين مؤسسات عملاقة مثل سوناطراك الجزائرية وOCP المغربية، بما يمكّن من إنشاء كيانات عابرة للحدود قادرة على ضخ استثمارات ضخمة لتعزيز الأمن الغذائي، تنويع مصادر الطاقة، وتطوير الصناعات التحويلية.

 

وتبرز الولايات المتحدة كلاعب رئيسي في هذا التحول، حيث تعمل على تسهيل مسار دبلوماسي هادئ يدفع الطرفين نحو تفاهمات مستدامة، إدراكًا منها أن استقرار المنطقة يضمن حماية مصالحها في غرب المتوسط والساحل الإفريقي.

 

أما أوروبا، فتجد نفسها أمام فرصة تاريخية لدعم ولادة فضاء مغاربي مستقر، من خلال الاستثمار في مشاريع الطاقة النظيفة، تمويل جهود مكافحة الإرهاب، وبناء آليات فعّالة لإدارة الهجرة بالتنسيق مع الرباط والجزائر. ويرى محللون أن أوروبا تمتلك اليوم القدرة المالية والسياسية لتحقيق هذا الدور، لكن نجاح المبادرة يعتمد على إرادة استراتيجية واضحة.

 

وبشكل عام، تشير التحليلات إلى أن المصالحة بين المغرب والجزائر، إن تمت، قد تمثل نقطة تحول تاريخية في شمال إفريقيا، تشبه التحولات التي شهدتها أوروبا عندما حولت الخلافات حول الفحم والصلب إلى أساس لاتحاد اقتصادي متين. قد تتحول عقود من الخلافات إلى فرص للتنمية المستدامة وتعزيز القدرة التفاوضية الإقليمية في مجالات الطاقة والأمن والهجرة.