فساد التزكيات

في ظل الاجتماعات الماراثونية التي يعقدها وزير الداخلية مع القيادات الحزبية من أجل التحضير الجيد للانتخابات التشريعية لسنة 2026، لابد من استحضار محاصرة الفساد الحزبي، ومعالجة اختلالات التزكيات التي يتم توزيعها وفق معايير القرب من القيادات الحزبية والإكراميات عوض استقطاب الكفاءات والطاقات الشابة التي يمكنها تحقيق قيمة مضافة للتسيير وصرف المال العام.

السجن 5 سنوات والغرامة لـ«أجودان» بالدرك بأكادير
ولانتخابات تشريعية نزيهة تعبر عن إرادة حقيقية للناخبين وتساهم في تنزيل التعليمات الملكية السامية بتخليق الحياة السياسية، يجب على كافة الأحزاب السياسية مراجعة العديد من القوانين الداخلية، ووضع معايير واضحة واحترامها في منح التزكيات على رأسها التجربة ومدى القدرة على العطاء وخدمة الصالح العام، والقطع مع إعادة تدوير الوجوه السياسية المُستهلكة نفسها و تلك التي يتكرر نجاحها في الانتخابات دون طائل وفي ظل فشلها الذريع في تحقيق هدف التنمية وتجويد الخدمات العمومية.

 

وكثيرا ما تُلقي العديد من الأحزاب باللوم على وزارة الداخلية في تدبير العملية الانتخابية، ويخرج الجميع للتباكي على انتشار الفساد وانفجار فضائح المجالس الجماعية والمتابعات القضائية بالجملة في حق عدد من الأعضاء، في حين تنسى القيادات الحزبية أو تتناسى على الأرجح أنها هي المسؤولة الأولى عن فساد التزكيات واللّهث خلف الأرقام الانتخابية والفوز بأكبر عدد ممكن من رئاسة الجماعات الترابية والمقاعد البرلمانية التي تخول مفاوضات مريحة لدخول الحكومة والاستفادة من امتيازات المناصب الوزارية.

 

وما تحتاجه المرحلة الراهنة هو انخراط الأحزاب بشكل جدي في التحضير للانتخابات التشريعية، ووضع برامج انتخابية واضحة وقابلة للتنزيل، وتراعي الوضعية الاقتصادية والاجتماعية، فضلا عن تزكية الكفاءات والطاقات الشابة التي يمكنها المساهمة في تحسين وتسريع عمل آلية التشريع بالبرلمان، وممارسة الرقابة على العمل الحكومي وفق قواعد واضحة والانتقاد المبني على معطيات دقيقة وقابلة للنقاش وإبداء الرأي عوض الاستغراق في المزايدات الانتخابوية التافهة ومناقشة الأشخاص وتصفية الحسابات الضيقة التي لا تفيد الصالح العام في أي شيء.

 

لقد ضيعنا وقتا ثمينا في توزيع التزكيات على المقربين والفساد الذي يعاني منه الملف المذكور، ما تسبب في تنفير الشباب من العمل السياسي، نتيجة انتشار الفساد الحزبي والممارسات غير الديمقراطية، وتشكيل تكتلات حزبية تحتضن كل من يدعم القيادات الحزبية دون قيد أو شرط، وتلفظ من يُعارض وينتقد وينادي بالديمقراطية الداخلية، ويقف أمام التعديلات القانونية التي تمهد الطريق لدوام قيادات على رأس أحزاب كبرى، وليس تشجيع التغيير والتشبيب وزرع الثقة في العمل السياسي، باعتبار أن الأشخاص إلى زوال والمؤسسات مستمرة.

 

لقد حان الوقت لانخراط الشباب في العملية السياسية، والتعبير عن رأيه من داخل المؤسسات، والاستفادة من تجاربه وتوسيع النقاش حول انشغالاته وهواجسه وطموحه نحو مستقبل أفضل، ولن يكون ذلك سوى بتزكية الكفاءات والطاقات الشابة من قبل الأحزاب السياسية، ومراعاة أن المنصب السياسي وسيلة لخدمة الشأن العام وليس غاية، والعمل الحقيقي يبدأ عند الفوز بالمنصب وأول يوم لتحمل المسؤولية وفي خدمة الوطن وتنميته بنكران للذات والنزاهة والشفافية فيلتنافس المتنافسون