المؤبد لمستشار جماعي وابنه وحارس ضيعته

بعد سيل من المحاكمات الماراطونية وجلسات الاستنطاق والمواجهات الحارقة بين المتهمين والشهود، أسدلت غرفة الجنايات الاستئنافية بمحكمة الاستئناف بالرباط الستار، ليلة الخميس الماضي، على ملف القتل العمد الذي يتابع فيه مستشار جماعي سابق بجماعة سيدي بطاش باقليم بنسليمان، وابنه، وحارس ضيعته الفلاحية، ضواحي سيدي يحيى زعير، حيث أيدت الهيئة القضائية بالغرفة المذكورة الحكم الابتدائي الصادر في حق الثلاثي المتهم بارتكاب جريمة القتل العمد في حق شاب عشريني، والمتمثل في السجن المؤبد.

وكانت الهيئة القضائية بغرفة الجنايات الابتدائية بمحكمة الاستئناف بالرباط قد حسمت المرحلة الابتدائية من هذا الملف، في يونيو من سنة 2023، وذلك بإدانة المستشار الجماعي المشهور بجماعة سيدي بطاش المتابع في حالة اعتقال منذ خمس سنوات، بالسجن المؤبد، وهو الحكم ذاته الذي شمل كلا من ابنه وحارس ضيعته، اللذين يجاورانه بسجن تامسنا.

 

وارتباطا بمجريات هذا الملف الذي تفردت «الأخبار «، وعلى مدى خمس سنوات بمواكبة كل تطوراته، فقد بدا لافتا أن هيئة الحكم وهي تختلي لساعات، من أجل التداول في إفرازات جلسات التحقيق الماراطونية والاستنطاقات والمواجهات المباشرة بين أطراف القضية، ونتائج الخبرات التقنية والتشريح الطبي وشهادة أكثر من عشرين شخصا من الدوار، تكونت لديها القناعة التامة بتورط المسؤول السياسي المعروف بجماعة سيدي بطاش ونجله وحارسه الخاص في ارتكاب جريمة القتل البشعة في حق الشاب العشريني، وإخفاء جثته داخل ضيعته الخاصة، ومغالطة العدالة من خلال الإصرار خلال كل مراحل البحث والتحقيق على أن الأمر يتعلق بعملية انتحار أقدم عليها الشاب داخل ضيعة المستشار.

 

وكانت المحكمة خلال المرحلتين الابتدائية والاستئنافية قد استمعت إلى أكثر من 20 شاهدا، بينهم نساء حول ملابسات الواقعة التي هزت منطقتي سيدي بطاش وسيدي يحيى زعير نواحي تمارة، حيث تم اكتشاف جثة الشاب داخل ضيعة مملوكة للمستشار الجماعي، بعد أسابيع من البحث عن الضحية.

 

ويتابع في هذا الملف إلى جانب المتهمين الرئيسيين الثلاثة شخصان آخران، بينهما سيدة في حالة سراح، وقد وجهت إليهم المحكمة كل حسب المنسوب إليه تهم القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، وإخفاء جثة والمشاركة وعدم التبليغ عن جناية.

 

وكان قاضي التحقيق قد أخضع المتهمين الخمسة لأبحاث تفصيلية ماراطونية لتوضيح الكثير من اللبس الذي رافق هذه القضية، بعد أن خلقت الجدل بمنطقة سيدي بطاش بالنظر إلى خطورة الجريمة ومخاض العثور على الجثة، بعد أيام من البحث، والاشتباه في تورط عضو جماعي نافذ يشغل نائب رئيس المجلس الجماعي في «تدبير» الجريمة وتنفيذها رفقة ابنه وحارسه.

 

وبالعودة إلى تفاصيل الجريمة التي تفردت «الأخبار» بنشر تفاصيلها فور وقوعها، فقد سجلت السلطات الأمنية بدائرة الدرك الملكي بعين العودة، منتصف صيف سنة 2020، واقعة العثور على جثة شاب متوفي كان موضوع بحث من طرف أسرته، حيث عثر عليها معلقة إلى جذع شجرة، وسط ضيعة فلاحية مملوكة لعضو جماعي يشغل مهمة نائب رئيس المجلس الجماعي للجماعة القروية سيدي بطاش والمنتمي لحزب يساري، وباشرت عناصر الدرك مسطرة البحث حول ملابسات مقتل الشاب المزداد سنة 1996، تحت إشراف النيابة العامة، حيث وقفت خلال الأبحاث التمهيدية على تناقضات كبيرة أثناء استنطاق المتهمين، خاصة تصريحات مالك الضيعة وحارسها، ما دفع النيابة العامة إلى عرض الجثة على تشريح طبي وعلمي دقيقين أسفرا عن معطيات جديدة، غيرت منحى القضية بشكل كلي، من فرضية انتحار الشاب التي تم ترويجها بالمنطقة، إلى شبهة تصفيته بشكل متعمد من طرف مالك الضيعة وابنه بمساعدة آخرين، قبل تعليق جثته داخل الضيعة، من أجل إيهام الجميع أن القضية تتعلق بانتحار عادي لشاب داخل ضيعة، ومغالطة العدالة والتستر على الجريمة من طرف المشتبه فيهم.

 

وكشفت مصادر الجريدة أن النيابة العامة بمحكمة الاستئناف بالرباط، وبناء على وقائع ومعطيات علمية قاطعة صعقت المستشار الجماعي النافذ بمنطقة سيدي بطاش المزداد سنة 1968، بعد أن وجهت إليه تهمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، وهي التهمة نفسها التي وجهتها إلى ابنه وحارس ضيعته المزدادين سنة 1986، فيما تابعت النيابة العامة سيدة ورجل يشتغلان بالضيعة ذاتها في حالة سراح، بتهمة التستر وعدم التبليغ.

 

وأوضحت التحريات المنجزة من طرف المركز القضائي للدرك الملكي بسرية عين العودة أن المتهمين تعمدوا تعطيل الكاميرات المحيطة بالضيعة، تفاديا لالتقاطها تفاصيل الجريمة، ما صعب من مهمة البحث الذي حسمته الخبرة الطبية، في الوقت الذي رجح مقربون من العائلتين أن النزاعات الدائمة التي كانت تنشب بين عائلتي المتهم والضحية، تبقى السبب الرئيس وراء ارتكاب الجريمة، حيث كان يتلقى تهديدات مستمرة بتصفيته، حسب تصريح عائلته.