هكذا شدد الاتحاد الأوروبي إجراءاته.. ارتفاع الترحيل وقيود مشددة على المهاجرين غير النظاميين

ووفقًا لبيانات نقلتها يورونيوز عن مكتب الإحصاء الأوروبي “يوروستات”، فإن أكثر من 120,000 شخص مُنعوا من دخول أراضي الاتحاد خلال العام الماضي، وهو رقم يعكس استمرار النهج الأمني المتشدد الذي تبنّته بروكسل منذ تفشي جائحة كوفيد-19، ويأتي بالتوازي مع تصاعد عمليات الترحيل، سواء الطوعية أو القسرية، بنسبة قاربت 20%.بروكسل السياحة

تشير الأرقام إلى أن المعابر البرية مثّلت خط الدفاع الأول للاتحاد الأوروبي، إذ سُجّل عبرها نحو 57% من قرارات الرفض، لا سيما على الحدود مع بولندا وكرواتيا ورومانيا. أما المعابر الجوية، فشهدت 39.8% من هذه الحالات، وسُجّلت فرنسا كأبرز دولة أوروبية أعادت مسافرين من مطاراتها، حيث رُفض دخول نحو 7,800 شخص عبر أراضيها. في حين ظل النشاط عند الحدود البحرية أقل حدة، وسجّلت 3.4% فقط من مجمل قرارات الرفض، إلا أن إيطاليا وفرنسا تصدرتا هذه الفئة أيضًا.

 

أكثر الجنسيات التي تعرّضت للرفض كانت من أوكرانيا، ألبانيا، ومولدوفا.

 

الأوكرانيون حاولوا العبور أساسًا عبر بولندا ورومانيا، دون أن يتمكّنوا من الاستفادة من أنظمة الحماية المؤقتة، رغم الحرب المستمرة في بلادهم. أما الألبان، فرُفض دخولهم خصوصًا عبر حدود اليونان وكرواتيا وهنغاريا، وكذلك من خلال المعابر الإيطالية، البرية والبحرية. في حين صادف المولدوفيون عراقيل مماثلة عند محاولاتهم العبور من رومانيا وبولندا ولاتفيا.

 

تجدر الإشارة إلى أن نصف حالات الرفض تعود إلى أسباب تتعلق بعدم توفّر الوثائق المناسبة أو عدم وضوح الغرض من الزيارة، وهي معايير باتت تُطبّق بدقة أكبر منذ عام 2020.

 

الوجود غير القانوني والإعادات

 

من جهة أخرى، كشفت “يوروستات” عن انخفاض بنسبة 27.4% في عدد الأشخاص الذين تم رصدهم داخل دول الاتحاد وهم يقيمون بصورة غير قانونية، وهي ظاهرة فسّرها بعض المحللين على أنها نتيجة مباشرة لتشديد الرقابة على الدخول، لا لتحسن في أوضاع المهاجرين.

 

ورغم هذا الانخفاض، شهد العام الماضي زيادة واضحة في أعداد من أُعيدوا إلى بلدانهم، حيث بلغ مجموع الإعادات نحو 53,000 حالة، نصفها تقريبًا جرت طوعًا، والنصف الآخر تم قسرًا. وتصدر الجورجيون قائمة المرحّلين، تلاهم الأتراك، ثم الألبان فالمولدوفيون. وتفاوتت نسب الإعادة الطوعية والقسرية بحسب الدولة؛ ففي الدنمارك وليتوانيا ولاتفيا وتشيكيا تجاوزت النسبة الطوعية 90%، بينما كانت إيطاليا الدولة الوحيدة التي سُجلت فيها كل الإعادات على أنها قسرية بالكامل.

 

السياسة الأوروبية: بين السيادة والإنسانية

 

هذه الأرقام تثير تساؤلات متكررة حول طبيعة السياسة الأوروبية في التعامل مع الهجرة، ومدى مواءمتها للمعايير الإنسانية التي يروّج لها الاتحاد في خطابه الرسمي. فبينما تؤكد الدول الأعضاء على ضرورة ضبط الحدود ومكافحة الهجرة غير النظامية، تزداد الضغوط الحقوقية على بروكسل لعدم تحويل القارة إلى “قلعة محصّنة” بوجه من يفرون من الحروب والفقر.بروكسل السياحة

 

وفي السياق نفسه، تتزامن هذه الإجراءات مع تشديد في سياسات اللجوء والتأشيرات، إلى جانب صعود واضح لليمين المتشدد في عدد من دول أوروبا، وهو ما ينعكس في الميدان بارتفاع حالات الرفض والاحتجاز وحتى العنف عند بعض النقاط الحدودية، خصوصًا على الجبهتين الشرقية والجنوبية.

 

تحديات 2025 وما بعدها

من المرجح أن يستمر هذا الاتجاه في عام 2025، خاصة مع استمرار النزاعات في شرق أوروبا وتدهور الأوضاع في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ويبدو أن الاتحاد الأوروبي ماضٍ في تقوية دفاعاته الحدودية، وتكثيف تعاونه مع دول العبور والترانزيت في إفريقيا والبلقان، سعيًا للحد من تدفقات الهجرة غير النظامية قبل وصولها إلى أراضيه.

لكن في المقابل، يبقى مستقبل هذه السياسات مرهونًا بقدرة الاتحاد على إيجاد توازن دقيق بين حقه في حماية حدوده، وواجبه في احترام كرامة الإنسان، لا سيما في لحظة عالمية تتسم بالتقلبات والهشاشة الإنسانية والسياسية.