في تحرك دبلوماسي غير رسمي، شرعت الجزائر في محاولة جديدة لاستدراك الموقف الكيني الداعم للوحدة الترابية للمملكة المغربية، وذلك بعد أيام فقط من إعلان نيروبي دعمها الصريح لمقترح الحكم الذاتي المغربي كحل وحيد وواقعي ومستدام لقضية الصحراء، حيث تمت هذه المناورة الجزائرية عبر رئيس البرلمان الجزائري، بعيدا عن مؤسسات الرئاسة أو الحكومة، في ما يبدو أنه جس نبض أكثر منه موقف دولة، وهو ما يكشف الحرج الدبلوماسي الذي باتت تعانيه الجزائر في ملف طالما جعلته أولوية سياستها الخارجية.
وتمثل هذا التحرك في لقاء دبلوماسي جمع رئيس الجمعية الوطنية الكينية، موزيس ويتانغولا، بسفير الجزائر في نيروبي، ماحي بومدين، يوم الأربعاء الماضي، حيث ركز اللقاء الذي تم وصفه حسب بيان الجانب الكيني بالودي، على المصالح الثنائية والدبلوماسية البرلمانية، دون أي إشارة مباشرة إلى قضية الصحراء، ما يعكس فشل المحاولة الجزائرية في طرح الملف على طاولة النقاش، أو ربما امتناع الجانب الكيني عن مناقشته بعدما حسم موقفه رسميا في الرباط.
ويعتبر ويتانغولا، الذي سبق أن شغل منصب وزير الخارجية الكيني بين 2008 و2012، كما كان مساعدا لوزير الخارجية منذ عام 2003، من الوجوه التي ارتبطت بمراحل سابقة من الدعم الكيني لجبهة “البوليساريو”، حيث سبق له أن التقى بالرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في فبراير 2023، بحضور رمطان لعمامرة وعبد العزيز خلف، في لقاء أعقب بأشهر قليلة إعلان كينيا نيتها تجميد اعترافها بالكيان الانفصالي.
غير أن رياح الدبلوماسية المغربية سارت بما لا تشتهيه سفن الجزائر، حيث أعلنت كينيا بشكل لا لبس فيه عن دعمها الصريح لمقترح الحكم الذاتي المغربي، خلال بيان مشترك صدر يوم 26 ماي 2025 في الرباط، عقب لقاء بين وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة ونظيره الكيني موساليا مودافادي، وهو الإعلان الذي جاء متزامنا مع حدث رمزي كبير، تمثل في افتتاح سفارة كينيا في العاصمة الرباط لأول مرة، في خطوة تعكس متانة العلاقات الثنائية ووضوح الموقف الكيني إزاء النزاع الإقليمي المفتعل.
وشدد البيان المشترك على أهمية إشراف الأمم المتحدة الحصري على تسوية النزاع، وجدد دعم كينيا الكامل لقرارات مجلس الأمن، لا سيما القرار 2756 الصادر سنة 2024، الذي يثمن المقترح المغربي ويدعو إلى حل سياسي واقعي ودائم ومتوافق عليه، كما عبر المغرب من جهته عن تقديره الكبير لموقف كينيا، معتبرا أنه يجسد انخراط نيروبي في منطق الواقعية والتعاون البناء مع الأمم المتحدة ومبعوثها الشخصي إلى الصحراء.
وتكون الجزائر بهذه التطورات قد تلقت صفعة دبلوماسية جديدة في ملف الصحراء، في ظل تآكل دعمها الدولي التقليدي للطرح الانفصالي، وتنامي التأييد الدولي للمبادرة المغربية، التي تحظى اليوم بإجماع واسع بوصفها الحل العملي والوحيد القابل للتطبيق، ما يجعل محاولات الالتفاف والمراوغة الجزائرية عبر القنوات الغير رسمية، سوى طريق معبدة تقود نظام الكابرانات إلى مزيد من العزلة السياسية والإنهاك الدبلوماسي