كل شيء يشير إلى أن مصر بصدد إحباط مناورة رئيس أركان الجيش الجزائري سعيد شنقريحة من خلال استغلال مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي، بهدف إبراز جبهة البوليساريو. فقد رفضت مصر، وكذلك موريتانيا، أي مشاركة، إلى جانب الميليشيات الانفصالية، في المناورات العسكرية التي تجمع بعض «الدول الأعضاء» في «قدرة إقليم شمال إفريقيا»، والتي من المقرر أن تجريها الجزائر في الفترة من 21 إلى 27 ماي على أراضيها.
هل ستشارك أم لا؟ بالنسبة لموريتانيا فإن عدم مشاركتها أصبح مؤكدا. ليس لأنها تقاطع بانتظام اجتماعات قدرة إقليم شمال إفريقيا التي تنظمها الجزائر منذ عام 2023 بحضور ممثل عن البوليساريو، بل إن صحيفة جزائرية، ناطقة باسم السلطة القائمة، أكدت أن الجيشين المغربي والموريتاني لن يشاركا في هذه المناورات، التي أطلق عليها اسم «سلام إفريقيا 3».
ونفت الصحيفة ذاتها المعلومات التي تناقلتها على نطاق واسع العديد من وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، والتي تفيد بأن القاهرة رفضت الانضمام إلى هذه المناورات بسبب وجود ميليشيات البوليساريو.
ولم يستبعد العديد من المحللين والخبراء العسكريين الذين أجريت معهم مقابلات على قنوات تلفزية دولية، احتمال اندلاع أزمة بين مصر والجزائر، على خلفية رفض القاهرة المشاركة مع ميليشيات البوليساريو في مناورات عسكرية بالجزائر. ورغم أن المناورات من المفترض أن يتم تنظيمها تحت رعاية مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي، فإن مصر لا تنوي مشاركة قواتها.
ففي مقابلة مع القناة الألمانية دويتشه فيله، برر الجنرال المصري المتقاعد محمد عبد الواحد، الخبير في شؤون الأمن الإفريقي، أسباب رفض مصر المشاركة في المناورات العسكرية المقررة في الجزائر. وقال إن وجود البوليساريو هي مسألة «حساسة للغاية»، وتمس مبدأ مقدسا دافعت عنه مصر دائما، وهو احترام «الوحدة الترابية للدول». بمعنى آخر فإن المساس بالوحدة الترابية للمغرب هو خط أحمر.
وتدرك مصر الخلافات العميقة بين المغرب والجزائر بشأن قضية الصحراء، وتريد الحفاظ على علاقات جيدة مع البلدين، لكنها ترفض الوقوع في الفخ الذي نصبه لها النظام الجزائري من أجل إثارة غضب المغرب.
واتهم الخبير المصري جبهة البوليساريو بأنها مصدر للفتنة الإقليمية. لذلك فإن الاتحاد الإفريقي مدعو إلى حل سريع لإشكالية تواجد هذه الحركة الانفصالية داخل قدرة إقليم شمال إفريقيا، لأنها جسم دخيل وتشكل السبب الرئيسي للتوترات والانقسامات بين دول شمال إفريقيا بشكل خاص، ودول القارة الإفريقية بشكل عام.
وبالتالي فإن مصر مقتنعة بأن فعالية قدرة إقليم شمال إفريقيا تتوقف على طرد البوليساريو من هذه الهيئة، خاصة وأن الانفصاليين غير معترف بهم لا من قبل الأمم المتحدة، ولا من قبل أوروبا، ولا من قبل أمريكا الشمالية، المانحين الرئيسيين للاتحاد الإفريقي، في حين يتزايد عدد الدول التي سحبت الاعتراف بهذا الكيان الوهمي داخل الاتحاد الإفريقي نفسه.
إن رفض مصر المشاركة في مناورات عسكرية لقدرة إقليم شمال إفريقيا هو إذن نداء مباشر للاتحاد الإفريقي، الذي يجب عليه أن يختار بين الوحدة وجبهة البوليساريو، وهي جسم دخيل مصطنع لازال على قيد الحياة بفضل الدعم المالي والعسكري والدبلوماسي للنظام الجزائري.
وحتى في غياب الإعلان الرسمي، فمن شبه المؤكد أن مصر لن تشارك في المناورات العسكرية المقررة في 21 ماي الجاري، خاصة وأن القاهرة والجزائر على خلاف بشأن العديد من القضايا الإقليمية الأخرى، مثل ليبيا وفلسطين.
وتسعى مصر أيضا إلى تولي إدارة قدرة إقليم شمال إفريقيا لإخراجها من حالة الركود الحالية. ففي فبراير الماضي، استضافت القاهرة اجتماعا لهذه الهيئة، تميز بانضمام موريتانيا، التي حضرت لأول مرة لنشاط لقدرة إقليم شمال إفريقيا، بعد أن قاطعت في السابق جميع اجتماعاتها التي نظمت في الجزائر بحضور البوليساريو.
ويوم الإثنين الماضي، وهو اليوم نفسه الذي أعلنت فيه مصر عدم مشاركتها في مناورات قدرة إقليم شمال إفريقيا بسبب البوليساريو، جرت مشاورات بين موريتانيا ومصر.
وزار المحلق العسكري بالسفارة المصرية بالجزائر الجنرال محمد عطية ناصر نواكشوط في إطار زيارة عمل. وكان في استقباله نائب رئيس أركان الجيش الموريتاني الجنرال محمد المختار الشيخ مني، ورئيس الاستخبارات العسكرية الجنرال الحسن ولد مكت.
يشار إلى أن الاتحاد الإفريقي، عندما تم إنشاؤه في يوليوز 2002، وحل محل منظمة الوحدة الإفريقية، قدم مبدأ جديدا في ما يتعلق بحفظ السلم في القارة الإفريقية. فبدلا من مبدأ عدم التدخل كما كان الحال في الماضي، جاء الاتحاد الإفريقي بمبدأ طموح أطلق عليه «عدم اللامبالاة»، والذي تجسد في مشروع إنشاء قوة الاحتياط الإفريقية، المكلفة بمنع وتدبير وتسوية النزاعات في إفريقيا.
وهكذا تم إنشاء خمسة ألوية إقليمية، تضم كل منها 6000 عسكري، وأكثر من 700 شرطي، ووحدة مدنية، ودعمتها المجتمعات السياسية والاقتصادية الإفريقية الخمس القائمة.
بالنسبة لشمال إفريقيا، تم تشكيل اللواء بصعوبة بسبب الخلافات حول تشكيلته، الذي كان من المقرر أن يقتصر على الدول الخمس الأعضاء في اتحاد المغرب العربي ومصر. وكان الجزائري سعيد جينيت، مفوض مجلس السلم والأمن بالاتحاد الإفريقي حتى عام 2007، هو الذي وضع بروتوكول إقامة قدرة إقليم شمال إفريقيا، قبل أن يسلم خلفاؤه، وهما جزائريان آخران (رمطان لعمامرة وإسماعيل شرقي)، مفاتيح هذه البنية للنظام الجزائري.
وفي أسفل الوثيقة المنشئة لقدرة إقليم شمال إفريقيا، لم يوافق الأمينان العامان المتعاقبان لاتحاد المغرب العربي، التونسيان الحبيب بن يحيى (2006-2016) والطيب البكوش (2016-2024)، على التوقيع على هذا بروتوكول الاتحاد الإفريقي المتعلق بقدرة إقليم شمال إفريقيا، خلافا لنظرائهم على رأس المنظمات الإقليمية الإفريقية الأخرى. وكانا يؤكدان أن جبهة البوليساريو ليس لها مكان في قدرة إقليم شمال إفريقيا، لأنها بكل بساطة ليست عضوا في اتحاد المغرب العربي.