في الوقت الذي تواصل فيه المملكة المغربية رسم طريقها بهدوء نحو ترسيخ مكانتها الإقليمية والدولية، تعيش الجارة الشرقية الجزائر، حالة نادرة من الإنكار السياسي تستحق حقاً أن تدرّس كواحدة من فصول مسرحية من مسرحيات الكوميديا السوداء.
آخر فصول هذه الملهاة كان مشهداً درامياً بطعم هذه الكوميديا، حيث استقبل الرئيس الجزائري، بكامل البروتوكول الجمهوري، رئيس جمهورية صحراوية افتراضية لا يُعثر عليها إلا في خرائط متخيلة على جدران مبنى في تندوف.. “رئيس” يدعى ابن بطوش!
في الجزائر، على ما يبدو، لا يهم إطلاقا أن يكون “ابن بطوش” موضوع مذكرات توقيف أوروبية أو أن يكون قد دخل إسبانيا بهوية مزورة، أو أيّ تهمة أخرى مما تكبر في صدور العالمين.. المهمّ أن يكون في مستوى “الوهم”.
المهم، أيضاً، أن يتم التقاط صورة، أو صور، على السجاد الأحمر، وأن تنشر وكالة الأنباء الجزائرية خبراً يتحدث عن “تعزيز التعاون بين الدولتين الشقيقتين”، وكأننا أمام اجتماع بين دولتين، وليس بين رئيس دولة عضو في الأمم المتحدة ورئيس تنظيم يعيش على المساعدات الدولية منذ نصف قرن.
من جهة أخرى، المغرب يسير بسرعة أخرى، دون نظرة ماضوية، ولا يحتاج إلى “استيراد رؤساء” ولا إلى نفخ بالونات سياسية في الهواء.
وبفضل نهجه الرزين، تفتحت أمام المغرب أبواب الاعترافات الدولية بمغربية الصحراء، من الولايات المتحدة إلى إسبانيا وألمانيا، مروراً بدول أفريقية وعربية قررت أن الحقائق التاريخية أقوى من الأوهام الثورية.
الرباط لا تحتاج إلى نصب خيمة إعلامية كلما فتحت قنصلية جديدة في العيون أو الداخلة، لأنها تعلم أن الأفعال أبلغ من بيانات الشجب والتحذير، بينما الجزائر، تُطلق صافرات الإنذار الدبلوماسي في كل مرة تُقلب فيها صفحة جديدة من صفحات الواقع الدولي.
المشكلة ليست في دعم الجزائر لقضية خاسرة، فالدول لها الحق في تبني من تشاء، بل في إصرارها العجيب على تحويل هذا الوهم إلى عماد لسياستها الخارجية، بل أحياناً لسياستها الداخلية، وكأن بقاء النظام مرهون بوجود “جمهورية” لا يراها أحد سوى في أرشيف خطابات بومدين وبن بلة.
العالم يتغير، والمغرب يتقدم، و”ابن بطوش” لا يزال يتلقى استقبال رؤساء في قصر المرادية، بينما الحكاية كلها تصلح لسيناريو ملهاة سوداء بعنوان “رئيس جمهورية الرمال… وحلم لم يستيقظ منه أحد”