في خطوة تكشف عن براعة الدبلوماسية الملكية وحنكة محمد السادس، استقبل العاهل المغربي يوم السبت الماضي في العاصمة الرباط وزراء خارجية ثلاث دول من منطقة الساحل الإفريقي: مالي، النيجر، بوركينافاسو. هذه الزيارة تأتي في وقت حساس يشهد تصاعدًا في التوترات السياسية بين الجزائر ودول هذه المنطقة، بعد تدهور العلاقات بينهما على خلفية أزمة دبلوماسية حادة.
وبينما استنفرت الجزائر وجنوب أفريقيا لتحشيد الدعم الدولي من خلال تنظيم ما أسمته منتدى “دبلوماسي لدعم شعب الصحراء”، حيث ألقى الرئيس سيريل رامافوزا دعمًا قويًا للبوليساريو، كانت الدبلوماسية المغربية تستعد لتنفيذ خطة استباقية تهدف إلى تعزيز موقع المغرب على الساحة الإقليمية، خاصة في منطقة الساحل والصحراء التي تشهد تحولات جيوسياسية متسارعة.
المنتدى الذي نظمته السفارة الجنوب أفريقية في الجزائر بحضور شخصيات من دول مثل موزمبيق وفنزويلا وكوبا، جاء كرد فعل على تحركات المغرب ورغبته القوية في التموقع على خارطة الجغرافيا السياسية في منطقة الساحل والصحراء، والتحول نحو فاعل اقليمي مؤثر خاصة وأن المغرب يُدرك أهمية هذا التحالف لضمان استقراره ونفوذه في منطقة مهمة للغاية.
وفيما تبذل الجزائر جهودًا مضاعفة للحفاظ على نفوذها في منطقة الساحل، يجد نفسه تحالف دول الساحل المكوّن من مالي، النيجر، بوركينافاسو، في حالة بحث عن خيارات جديدة لمواجهة التحديات الأمنية والسياسية، وهو ما سعى المغرب إلى تقديمه عبر مبادرة تتيح لهذه الدول غير المطلة على البحر الولوج إلى المحيط الأطلسي، مستفيدًا من البنية التحتية المتطورة للمملكة.
ما حدث في الرباط من استقبال لوزراء الخارجية هو في جوهره تحرك استباقي لرسم معالم خريطة جديدة في منطقة الساحل والصحراء، حيث نجح المغرب في استثمار اللحظة السياسية الحالية التي تشهد ابتعاد هذه الدول عن الجزائر بفعل توترات داخلية وخارجية، بل ونجح في فتح خطوط دبلوماسية جديدة مع قادة أفارقة.
وفيما يخص الجزائر، التي تعتبر دورها التقليدي في المنطقة مهددًا من تحركات المغرب المتسارعة، جاءت ردود الفعل الإعلامية الجزائرية لتُظهر حالة من الغضب والاستياء، وهو ما يعكس قلقًا كبيرًا من تصاعد النفوذ المغربي في المنطقة. لكن المملكة المغربية لا زالت تواصل مسارها بثبات، مدفوعة بإرادة قوية لتوسيع دائرة نفوذها في غرب أفريقيا.
وتبقى إشارات المملكة في تعزيز علاقاتها مع دول الساحل أكثر وضوحًا في المستقبل القريب، حيث يبدو أن الدبلوماسية الملكية استطاعت أن تضع أسسًا جديدة للعب دور ريادي في هذا المحور الاستراتيجي