بعيدا عن الأضواء المركزية التي ترافق عادة الاستحقاقات العامة، شكلت الانتخابات الجزئية التي أجريت في 22 أبريل 2025 في عدد من الجماعات الترابية، فرصة جديدة لاختبار مدى جاهزية الأحزاب السياسية، وقياس تفاعل المواطنين مع العروض السياسية المطروحة، وإن بشكل محدود من حيث التغطية وعدد المقاعد المتنافس عليها.
لكن هذا الطابع الجزئي، الذي يُفترض أن يكون ذا وزن محدود في المشهد العام، اتخذ أبعادا أعمق بفعل حجم الرهانات السياسية والتنظيمية التي رافقته، سواء من قبل الأغلبية الحكومية أو المعارضة.
وأظهرت النتائج المعلنة تفوقا واضحا لأحزاب الأغلبية، خاصة حزب التجمع الوطني للأحرار الذي حسم لصالحه أزيد من ستين مقعدا، في مؤشر يعكس استقرار آلياته التعبوية وقدرته على التموقع المجالي في العديد من الدوائر، خصوصا القروية منها.
كما استطاع حزب الأصالة والمعاصرة تسجيل مكاسب نوعية في بعض المواقع، أبرزها دائرة جماعة العليين التابعة لعمالة المضيق الفنيدق، ودائرة زغيرة بإقليم وزان، ما يعكس استعادة الحزب لتوازنه التنظيمي في مناطق ظل فيها حضوره محدودا خلال السنوات الأخيرة.
وحافظ حزب الاستقلال بدوره على موطئ قدم في عدد من الجماعات، لكن دون أن يحقق اختراقًا نوعيًا يعيد طرحه كفاعل مهيمن في المجال الترابي.
وفي مقابل هذه الدينامية، واصل حزب العدالة والتنمية منحاه التراجعي، مكتفيا بمقعد يتيم، ما يعكس استمرار أزمة القاعدة الانتخابية التي عانى منها الحزب منذ استحقاقات 2021.
ورغم محاولاته تجديد الخطاب والانفتاح التنظيمي، إلا أن تفاعله المحدود مع هذه الجولة الانتخابية يبرز حجم التحديات التي يواجهها على مستوى استرجاع الثقة وإعادة بناء الجهاز الميداني.
غير أن المفاجأة الوحيدة التي كسرت نمطية النتائج جاءت من جماعة فكيك، حيث اكتسحت فيدرالية اليسار الديمقراطي كافة المقاعد المتبارى عليها، في سابقة تطرح أسئلة حقيقية حول التحول المحلي في المزاج الانتخابي ببعض المناطق النائية، ومدى قدرة البدائل التقدمية على التموقع خارج المراكز الحزبية التقليدية.
ومع ذلك، لا يمكن قراءة نتائج هذه المحطة بمعزل عن طابعها الجزئي. فضعف التعبئة، وتفاوت نسب المشاركة، وغياب الاستقطاب الوطني، كلها عوامل تجعل من هذه الانتخابات أداة تشخيصية تنظيمية أكثر منها تعبيرا عن تحول انتخابي شامل.
وفي الغالب، ما تحسم مثل هذه المعارك محليا هي اعتبارات القرب المجالي، والتواصل المباشر، والخدمات الرمزية التي يربط بها الناخب الأداء السياسي.
ورغم ذلك، فإن هذه المؤشرات لا تخلو من دلالات، أهمها استمرار قوة بعض الأحزاب في إعادة تجديد حضورها الميداني، وامتلاكها لكتلة صلبة من المنتخبين القادرين على استثمار المساحات الشاغرة، في وقت يبدو فيه أن أحزاب المعارضة، باستثناء بعض المحطات المحدودة، لم تعد تملك نفس الآلية القاعدية التي تمكنها من خوض معارك المدى القصير بنفس الكفاءة التي كانت تميز أداءها خلال العشرية الماضية.
ومع اقتراب موعد الانتخابات العامة لسنة 2026، تطرح هذه الجولة اختبارا أوليا لمنظومة التمثيلية السياسية برمتها، ومدى تجاوبها مع التحولات الاجتماعية والسياسية التي يعرفها المغرب.
فالتفاوتات المجالية، والضغط المتزايد على الجماعات الترابية في ما يخص الماء، والتخطيط، والخدمات الأساسية، كلها ملفات تُحمِّل الأحزاب مسؤوليات مضاعفة، يتعين أن تظهر ملامح التفاعل معها من الآن، لا من خلال الشعارات، بل من خلال قدرة المرشحين الفعليين على تقديم حلول قابلة للتنفيذ، تعيد بناء الثقة وتمنح المواطن شعورا بأن صناديق الاقتراع ليست مجرد واجب موسمي، بل أداة واقعية للتأثير في شروط العيش اليومي.
وإذا كانت هذه الانتخابات الجزئية قد أعادت ترتيب بعض التوازنات في الخريطة المحلية، فإنها في الآن ذاته كشفت أن المعركة الأهم لم تبدأ بعد، وهي معركة الإقناع في زمن الإنهاك الاجتماعي والتردد الانتخابي.