الجزيرة تسقط في فخ الأكاذيب ضد المغرب وتتناقض مع أخبارها السابقة

من جديد، تجد قناة “الجزيرة” القطرية نفسها في موقع لا يُحسد عليه، بعد أن سقطت في تناقض مهني صارخ، حين نشرت تقارير متتالية تزعم أن ميناء طنجة المتوسط استقبل سفينة محملة بمعدات عسكرية موجهة إلى إسرائيل، لاستعمالها في العدوان على قطاع غزة، قبل أن تنشر لاحقًا نفيًا رسميًا قاطعًا صادرًا عن شركة MAERSK العالمية للشحن، يؤكد أن ما تم تداوله “لا أساس له من الصحة”.

هذا التناقض الفج يطرح تساؤلات حقيقية حول أجندة القناة القطرية، وسبب استهدافها الممنهج للمصالح الاستراتيجية للمملكة المغربية، وعلى رأسها موانئها الحيوية، وفي مقدمتها ميناء طنجة المتوسط، المصنف ضمن الموانئ الأكثر تنافسية في إفريقيا والمتوسط.

 

فكيف تتحول قناة تُقدم نفسها على أنها “صوت الشعوب ومرآة الوجدان العربي”، إلى منبر يعيد تدوير الإشاعات ويُشرعن التحريض ضد بلد لطالما ظل صادقًا في دفاعه عن القضية الفلسطينية؟ وكيف تُتهم الموانئ المغربية، دون دليل، بلغة التلميح والتأليب، بينما تُغض الطرف عن موانئ أخرى تُستعمل فعلاً في نقل السلاح إلى ساحات التوتر؟

 

الجواب – وإن بدا صادمًا – يكمن في التحالف غير المعلن بين القناة وبعض الحركات الإسلامية المعارضة في بلدانها، والتي تجد في “الجزيرة” فضاءً إعلاميًا مضمونًا لبث خطابها، مستفيدة من تغطيات مسيّسة وتمويلات تُغري بعض مسؤولي الشبكة الإعلامية القطرية.

 

هذه الحركات، التي تتبنى خطابًا تعبويًا باسم فلسطين، لا تتوانى عن استعمال ورقة غزة لتصفية الحسابات مع أنظمة لا تنسجم مع توجهاتها الأيديولوجية.

 

هذا الواقع أكده بشكل واضح وصريح حمد بن جاسم آل ثاني، رئيس الوزراء ووزير الخارجية الأسبق لقطر، في حوار موثق بتاريخ 7 ماي 2022، حين قال:
“نعم، كنا ندفع لصحفيين، بعضهم صاروا نوابًا، وبعضهم يُحسبون اليوم على الوطنيين. كنا ننشر لهم سنويًا، والبعض كان يتقاضى رواتب شهرية. كل الدول العربية كانت تفعل ذلك تقريبًا.”

 

تصريحٌ كهذا لا يُقرأ بوصفه شهادة عابرة، بل إقرار ضمني بمنطق التوجيه المسبق للخطاب الإعلامي، وتحويل المنصات الصحفية إلى أدوات نفوذ موازية تخدم أجندات لا علاقة لها بالموضوعية أو المصداقية.

 

قناة “الجزيرة” لم تكتفِ بترويج خبر زائف، بل تبنّت خطابًا يستبطن تشكيكًا مباشرًا في السيادة المغربية، وفي نزاهة اختياراته الاستراتيجية، خاصة في ظرف إقليمي حرج. فحين يصبح النجاح المغربي في تحصين موانئه، وتعزيز موقعه الجيو-اقتصادي، مادةً للتشكيك بدل الإشادة، فإننا نكون أمام ممارسة إعلامية لا علاقة لها بالمهنية، بل بموازين خصومة تتخذ من فلسطين واجهة لتمرير مواقف غير بريئة.

 

المفارقة الأكبر، أن الشارع المغربي الذي خرج بمئات الآلاف نصرة لغزة، والذي رفع شعارات واضحة تُدين الجرائم الإسرائيلية وتؤكد على مركزية القضية الفلسطينية، لم يجد مكانًا في تغطيات القناة، بل تم تجاهله عمدًا أو تسفيهه ضمن خطاب مضمر.

 

وهنا تتضح الازدواجية العميقة في تعاطي “الجزيرة” مع المواقف الشعبية حسب الموقع السياسي للدولة المعنية.

 

إن الحملة الأخيرة ضد ميناء طنجة المتوسط ليست سوى حلقة ضمن سلسلة طويلة من محاولات التأليب، لكن الوعي المغربي اليوم أكبر من أن تنطلي عليه روايات مصطنعة تُراد بها البلبة، لا النصرة. والمغرب، بثوابته، وبحكمة قيادته، وبصلابة مؤسساته، لا يحتاج إلى شهادة من منصة فقدت رصيدها في عيون كثير من الشعوب التي خدعتها ذات يوم.