ارتباك ديبلوماسي وتخبط استراتيجي.. الجزائر تتخذ خطوة عدائية أخرى ضد مالي

في خطوة جديدة تعكس ارتباكا دبلوماسيا وتخبطا استراتيجيا، أعلنت الجزائر بشكل مفاجئ غلق مجالها الجوي أمام الملاحة القادمة من مالي، مبررة قرارها بما وصفته بـ”الاختراق المتكرر” لمجالها الجوي من طرف مالي، حسب ما ورد في بيان صادر عن وزارة الدفاع الوطني الجزائرية، كما قررت سحب سفرائها من عواصم مالي والنيجر بشكل فوري، وتأجيل تولي سفيرها الجديد في بوركينا فاسو لمهامه، في تصعيد خطير وغير مسبوق يعكس توترا كبيرا في العلاقات الإقليمية، ويضع الجزائر في موقف عزلة اختارته لنفسها.

ويأتي القرار الذي دخل حيز التنفيذ بداية من الاثنين 7 أبريل الجاري، عقب إعلان الجزائر عن إسقاط طائرة بدون طيار تابعة للجيش المالي، وهو ما نفته باماكو بشكل قاطع، مؤكدة أن الحادث وقع داخل أراضيها، بدليل سقوط حطام الطائرة داخل الأراضي المالية، ما دفع المسؤولين الجزائريين إلى تقديم تصريحات متسرعة وانفعالية حيث اختارت التصعيد، مضيفة بذلك فصلا جديدا من التوتر في منطقة تعاني أصلا من هشاشة أمنية وسياسية، بدل التريث وفتح قنوات التواصل لحل الخلاف بالطرق الدبلوماسية.

 

ولن يفاجأ المتابع لسلوك نظام العسكر الجزائري في السنوات الأخيرة بهذا النوع من القرارات الأحادية، فغلق الأجواء ليس بالجديد على الجزائر، التي سبق أن أغلقت مجالها الجوي في وجه الطيران المغربي، مما أثار في حينه استغراب المتابعين وعزز انطباعا راسخا بأن القيادة الجزائرية تتبنى منطق القطيعة بدل التقارب، وتدفع البلاد إلى مزيد من العزلة الدولية، حيث يمثل قرار غلق الأجواء أمام مالي، وسحب سفير النيجر وتأجيل تولي سفير يوركينا فاسو لمهامه، تصعيدا غير محسوب العواقب، وسيزيد من تعقيد المشهد الإقليمي، ويضع الجزائر في موقف ضعف أمام المنتظم الدولي، خاصة بعد أن بادرت دول الساحل إلى رد دبلوماسي حازم تمثل في سحب سفرائها من الجزائر.رحلات سياحية في المغرب

 

ومن الواضح اليوم أن الجزائر لا تملك استراتيجية واضحة في علاقاتها مع محيطها الإفريقي، إذ تارة تقدم نفسها كوسيط للسلام، وتارة أخرى تلجأ إلى لغة القوة والقطيعة، متناسية أن الدبلوماسية الحقيقية تبنى على التوازن والحكمة، لا على ردود الفعل المتسرعة، حيث تضر هذه القرارات بمصالح الشعب الجزائري، الذي يدفع ثمن الحسابات السياسية الضيقة، في وقت تحتاج فيه البلاد إلى فتح آفاق التعاون والانفتاح، لا إلى مزيد من الانغلاق.

 

وتضع الأحداث الجارية الجزائر أمام مرآة الواقع حيث تسعى دول الجنوب إلى بناء شراكات استراتيجية حقيقية مبنية على المصالح المتبادلة، لا على منطق الإقصاء والعناد، مقابل غلق الكابرانات لأجواء البلاد تباعا أمام جيرانها، واتخاذها قرارات دبلوماسية انفعالية، لتجد نفسها شيئا فشيئا خارج سياق التحولات الكبرى في القارة الإفريقية.