تتسارع وتيرة الصفقات المتعلقة بمشروع الربط القاري بين المغرب وإسبانيا في الضفة الأخرى، حيث حصلت شركة “Herrenknecht Iberica” الألمانية على عقد بقيمة 300 ألف أورو لإجراء دراسة جدوى حول المشروع الذي سيربط بين مدينتي طنجة وطريفة، فيما أكدت مصادر مسؤولة في الرباط لـ”الصحيفة” أن المشروع ما يزال في حالة “جمود”، في انتظار انعقاد الدورة الـ44 للجنة المختلطة التي ستستضيفها المغرب، دون أن يتم تحديد موعد لها بعد.
ومشروع الربط الثابت (PLF) بين أوروبا وإفريقيا عبر مضيق جبل طارق، الذي يحمل أبعادًا قارية، أُطلق بشكل مشترك في يونيو 1979 بمبادرة من الملك الراحل الحسن الثاني والملك خوان كارلوس الأول ملك إسبانيا، ويُعتبر خطوة استراتيجية لتعزيز النمو الاقتصادي والاجتماعي في المناطق المعنية على ضفتي إفريقيا وأوروبا، عبر تسهيل التبادلات البشرية والتجارية والخدماتية، كما من شأنه أن يحدث نقلة نوعية في شبكات النقل وتخطيط الأراضي على جانبي المضيق، غير أنه واجه تحديات تقنية وسياسية واقتصادية حالت دون تنفيذه منذ ذلك الحين، ليبقى طي النسيان رغم استمرار الدراسات الجيوتقنية، التي قادتها كل من الشركة الوطنية للدراسات بمضيق جبل طارق (SNED) في الرباط، والشركة الإسبانية للدراسات للربط الثابت عبر مضيق جبل طارق (SECEGSA) في مدريد، منذ 24 أكتوبر 1980، حيث جُسدت الإرادة المشتركة للبلدين بتوقيع اتفاقية ثنائية بين حكومتيهما، بشكل يعكس التزامًا مؤسسيًا لتحقيق هذا المشروع الطموح.
وبحسب آخر مستجدات “مشروع القرن” المنتظر، فقد تمكّنت شركة “Herrenknecht Iberica” الألمانية التي تتمتع بخبرة واسعة في حفر الأنفاق، من الظفر بعقد بقيمة 300 ألف أورو لإجراء دراسة جدوى حول المشروع، حيث ستقوم عبر فرعها الإسباني بتنفيذ الدراسة التي تهدف إلى تقييم إمكانية إنشاء نفق مزدوج بطول 39 كيلومترًا.
وحسب ما أوردته الصحف الإسبانية نقلا عن مصادرها، فإن الشركة الألمانية لديها سجل حافل من المشاريع المتعلقة بالأنفاق، مثل نفق غوتهارد الأساسي في سويسرا، وهو أطول وأعمق نفق للسكك الحديدية في العالم بطول 57 كم.
ووتيرة العمل في الضفة المقابلة، تبدو متسارعة إذ تعاقدت الشركة العامة الإسبانية Secegsa مؤخرًا مع شركة أخرى من أجل كراء 4 أجهزة قياس للزلازل، بمبلغ 480 ألف أورو، لتقييم المخاطر الزلزالية بالتعاون مع هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، وهو التحرك الذي جرى ربطه بفوز ملف المغرب وإسبانيا والبرتغال بتنظيم مونديال 2030، سيما عقب تصريح مقطع العرض الترويجي للمونديال بأن مدة السفر عبر القطار السريع بين القارتين لن تتجاوز ثلاث ساعات، مما أعاد إشعال الآمال بشأن انتقال هذا المشروع الطموح، إلى مرحلة التنفيذ حيث تسعى الدول المعنية إلى جعل النفق مسارًا استراتيجيًا لتسهيل تنقل الجماهير والفرق خلال الحدث العالمي.
بالمقابل، تواصلت “الصحيفة” مع مصادرها في اللجنة المختلطة المغربية الإسبانية للربط القار عبر مضيق جبل طارق، لتبيّن حول مام إذا كانت توجد مستجدات جديدة في المشروع في ظل الدينامية التي يشهدها على مستوى مدريد، بيد أن الجواب كان هو أن كل شيء بات رهينا بالدورة الـ44 المقبلة التي ستعقدها اللجنة المشتركة بالمغرب، والتي ستحدد فيها خطة عمل تفصيلية للفترة 2025-2026 لتعزيز إعادة إطلاق المشروع في جميع جوانبه القانونية، التقنية، الاجتماعية، والاقتصادية، سيما وقد فشلت طيلة العام الماضي أي 2024 في تنظيم هذا الاجتماع المنتظر.
وأفادت المصادر المسؤولة ذاتها في تصريح خاص لـ”الصحيفة”، أن تقدم مشروع الربط الثابت عبر مضيق جبل طارق أصبح مرهونًا بعقد الاجتماع المذكور، الذي يواجه تأجيلًا متكررًا بفعل الظروف المتغيرة، موضحة: “في البداية، تأجل الاجتماع بسبب التوترات السياسية بين البلدين، ثم عادت الانتخابات الإسبانية وعملية تشكيل الحكومة لتؤخره مجددًا. كان من المقرر انعقاده في شتنبر الماضي، لكن ظروفًا أخرى حالت دون ذلك، لاحقًا، تم تحديد موعد جديد في ديسمبر الماضي، إلا أن الفيضانات التي اجتاحت فالنسيا الإسبانية، وانشغال الوزير الإسباني بها باعتبار وزارته معنية بشكل مباشر، أدت إلى تأجيله مرة أخرى، وهذا الوضع عرقل تسريع وتيرة العمل، وما زلنا في انتظار انعقاده”.
واعتبرت المصادر ذاتها، أن المشروع في عمومه يعرف تطورا إيجابيا، على وقع تمويل الحكومة الاسبانية لصفقة اقتناء أجهزة قياس الزلازل في قاع البحر (OBS) بنصف مليون أورو لفائدة الجمعية الإسبانية لدراسات الاتصالات الثابتة عبر مضيق جبل طارق (Secegsa) التي تشرف عليها وزارة النقل برئاسة أوسكار بوينتي، بيد أن هذا التقدم يهم فقط مسألة الدراسات، لكن اجتماع الدورة الـ44 المقبلة التي ستعقدها المغرب، هي الأهم إذ ستحدد فيها اللجنة المشتركة خطة عمل تفصيلية للمرور لمرحلة الإنجاز، وآنذاك سيتبين إذا ما كان المشروع قابل للتحقق قبل المونديال أو لا.
وشدّدت المصادر ذاتها، على أن ما ورد في الملف الذي انفردت “الصحيفة” بنشره في وقت سابق هو آخر المعطيات المحيّنة التي توصل إليها مكتبي الدراسات الاسباني والمغربي، ولا يوجد أي مستجد بهذا الخصوص يهم “مشروع القرن” حتى الآن.
وكانت “الصحيفة” الورقية قد انفردت شهر مارس الماضي، بنشر تفاصيل ومعطيات حصرية حول الربط القار المرتقب بين المغرب وإسبانيا، بناء على آخر ما وصلت إليه الدراسات التقنية والجيولوجية لمكتبي الدراسات التوأمين المغربي SNED والاسباني SECEGSA، فيما أكدت المصادر الحكومية المغربية ونظيرتها الإسبانية للجريدة، أن اللجنة المختلطة المغربية الإسبانية للربط القار عبر مضيق جبل طارق، تستعد لعقد اجتماعها الـ 44، في غضون الأسابيع الموالية لنشر الملف المذكور، بطنجة من أجل وضع اللمسات الأخيرة على الدراسات التقنية والاستكشافات المحددة للمشروع قبيل المرور إلى مرحلة الإنجاز التي لم يُحدد بعد موعد مباشرتها، بيد أن هذا الاجتماع لم يُعقد إلى حدود كتابة هاته الأسطر.
يذكر أن اللجنة الحكومية المغربية-الإسبانية المشتركة تُعتبر الهيئة الإدارية للمشروع ويفترض أن تعقد اجتماعاتها كل ستة أشهر، بيد أن الظروف المتواترة التي مرت بها العلاقات بين البلدين حالت دون ذلك. وتواصل الشركتان المكلفتان الاشتغال بتنفيذ خطط العمل التي توافق عليها اللجنة المشتركة وتعملان بتناسق تام وفقًا لمبدأ وحدة المشروع، وذلك منذ 27 سبتمبر 1989، عندما أبرمت الحكومتان اتفاقية ثنائية ثانية في ختام أعمال اللجنة المشتركة لتطوير الاتفاقية الأولى لعام 1980، بما يسمح بتكييف عمل الشركتين مع التقدم الذي حققه المشروع وتخطيط الإجراءات المستقبلية.
ويشكل المشروع حلقة وصل قوية، دائمة، ومستدامة لأنظمة النقل، ويعزز إمكانيات التنمية، ويصبح منصة لوجستية رئيسية على المستوى العالمي، بفضل تكامله مع شبكات النقل الأوروبية العابرة للقارات (مثل الأنفاق تحت جبال الألب) والأفريقية (مثل الممرات طنجة-لاغوس وطنجة-القاهرة) وامتداداتها نحو المناطق والدول المجاورة، كما يُعد المشروع محورًا قاريًا بفضل موقعه كبوابة للبحر المتوسط ووجود الموانئ الدولية الكبرى مثل طنجة المتوسط والجزيرة الخضراء.
وتبرز الأهمية الجيوستراتيجية للمشروع، بالإضافة إلى إمكانياته في تطوير النقل الجماعي عبر السكك الحديدية لمسافات طويلة، مما يدعم تنفيذ المشروع وإشراك المجتمع الدولي، لا سيما الاتحاد الأوروبي، في تمويله مع مراعاة تأثيراته على جميع المستويات.
وبالنظر إلى المشاريع المماثلة ذات الحجم الاستثنائي حول العالم (مثل نفق المانش، نفق سايكان في اليابان، ونفق سانت غوثارد في سويسرا)، فإن الجدول الزمني لتصميم المشروع يمتد لعقود من الدراسات، فخلال 43 عامًا من العمل، قامت الشركتان بتطوير معرفة استراتيجية من خلال تنفيذ سلسلة من الأنشطة والدراسات ضمن خطط العمل التي أقرّتها اللجنة المشتركة.
وتمت تجارب على بناء منشآت تجريبية (أنفاق وآبار) على ضفتي المضيق، بالإضافة إلى تنفيذ عمليات حفر برية و42 حملة استكشاف بحرية في ظروف ملاحية معقدة، كما أدت هذه الجهود إلى اختيار الحل المتمثل في “نفق بحري محفور للسكك الحديدية” بطول 42 كيلومترًا (27.8 كيلومتر تحت قاع البحر) عام 1996، وذلك بعد إجراء تحليل مقارن متعدد المعايير بين الحلول المقترحة منذ عام 1983 وحتى 1996.
وتطلبت دراسة الجدوى لهذه البديل الأساسي، من عام 1997 إلى 2005، إجراء تحقيقات جيولوجية إضافية، شملت خمس حملات حفر في أعماق البحار تجاوزت 2800 متر في عمق يصل إلى 280 مترًان فيما خلصت اللجنة المشتركة في دورتها الثانية والأربعين يوم 29 أكتوبر 2009 إلى ضرورة إزالة الشكوك المتعلقة بالتكوينات الجيولوجية في وسط المضيق وتطوير تقنيات حفر الأنفاق.
وفي 2 فبراير 2023، تم توقيع مذكرة تفاهم في مجال البنية التحتية في الرباط بين وزارة النقل الإسبانية ووزارة التجهيز المغربية، وتنص المذكرة على “إعادة إطلاق وتحديث مشروع الربط الثابت عبر مضيق جبل طارق في إطار اللجنة المشتركة، مع مراجعة استراتيجية العمل وخطط شركتي SECEGSA وSNED”.
وفي 10 أبريل 2023، عقدت اللجنة المشتركة المغربية-الإسبانية دورتها الـ43 برئاسة نزار بركة وزيرة التجهيز المغربية، وراكيل سانشيز خيمينيز وزيرة النقل الإسبانية، وهو الاجتماع الذي عقد بعد 14 عامًا من الدورة السابقة عام 2009 في طنجة.
من جهة ثانية، فقد أسفرت هذه الديناميكية عن إعادة الإطار القانوني والتنظيمي لعمل الشركتين المغربية والإسبانية، بما في ذلك تحديث أنظمتهما وإدماج السفراء في مجلس الإدارة لكل شركة، وإعادة هيكلة الشركتين بدعم من السلطات المعنية لتسريع إنجاز الدراسات اللازمة، ووضع المبادئ والمحاور الكبرى لخطة عمل مشتركة متعددة السنوات للشركتين SNED وSECEGSA.