من الخطوبة إلى الزواج ثم الطلاق والإرث.. هذه تفاصيل تعديلات مدونة الأسرة أولا بأول

أثارت التعديلات التي اقترحتْ على مضامين مدونة الأسرة نقاشاً كبيرا في المجتمع المغربي، باعتبارها تمسّ النواة الأساسية له وهي الأسرة، التي أكد الملك محمد السادس أنها “الخلية الأساسية للمجتمع”.

كما شدد الملك على أن هذه المبادرة الإصلاحية “لا تنتصر لفئة دون أخرى، بل تهُم الأسرة المغربية، التي تشكل الخلية الأساسية للمجتمع”، داعيا إلى الحرص على بلورة التعديلات في قواعد قانونية واضحة ومفهومة، لتجاوز تضارب القراءات القضائية، وحالات تنازع تأويلها.

 

فما هي هذه التعديلات بالتفصيل، بدءاً من أول خطوة لتأسيس أسرة وهي الخطوبة، إلى الزواج وما قد يتبعه من طلاق، ثم الحضانة والإرث؟

 

توثيق الخطبة

 

لأن الزواج هو الخطوة الأولى التي تنطلق منها عملية تكوين أسرة، فإن التعديلات كان لا بد أن تمسّ الخطوة الأولى منه، والتي كانت تعتبر مجرد خطوة تمهيدية وهي مرحلة الخطوبة.

 

وتقترح التعديلات “إمكانية” توثيق هذه المرحلة من خطوات الزواج، لكن دون إلزامية ذلك، وذلك حفاظا على حقوق الطرفين، خصوصا ما يحيط بالخطوبة من هدايا أو التزامات قد تكون مكلفة لطرف أو آخر.

 

وهو ما يعني أنه يمكن للخطيبين أن يوثقا خطوبتهما بشكل قانوني، إن اختارا ذلك، أو التغاضي عنه.

 

اعتماد عقد الزواج كوثيقة “وحيدة” للإثبات

 

تقترح تعديلات مدونة الأسرة الجديدة اعتماد عقد الزواج لوحده لإثبات الزوجية كقاعدة، مع تحديد الحالات الاستثنائية لاعتماد سماع دعوى الزوجية.

 

ورغم أن هذه الجزئية كانت مضمنة في المدونة القديمة، إلا أن الجديد في التعديل المقترح هو القطع مع “زواج الفاتحة” الذي لا زال ساريا بعدد من مناطق المغرب، النائية خصوصا.

 

زواج مغاربة الخارج

 

عملت مقترحات المدونة على مراجعة للإجراءات الشكلية والإدارية المطلوبة لتوثيق عقد الزواج، وإمكانية عقد الزواج، بالنسبة للمغاربة المقيمين بالخارج، حيث أغلت شرط حضور الشاهدين المسلمين في حال تعذر ذلك.

أهلية الزواج والتعدد

تقترح تعديلات المدونة الحالية تحديد أهلية الزواج بالنسبة للفَتى والفَتاة في 18 سنة شمسية كاملة، مع وضع استثناء للقاعدة المذكورة، يُحدد فيها سن القاصر في 17 سنة، مع تأطيره بعدة شروط تضمن بقاءه، عند التطبيق، في دائرة “الاستثناء”.

أما بخصوص مسألة التعدد، الأكثر إثارة للجدل من بين بنود المدونة الجديدة المرتقبة، فقد تضمنت هذه الأخيرة تعديلا هاما يتعلق بإجبارية استطلاع رأْي الزوجة أثناء تَوثيق عقد الزواج، حول اشتراطها عدم التزوج عليها، من عدمه، والتنصيص على ذلك في عقد الزواج.

وفي حال اشتراط عدم التزوج عليها، لا يحق للزوج التعدد وفاء منه بالشرط المنصوص عليه في العقد.

وفي حال غياب هذا الاشتراط، فإن ما وصفته المدونة بـ”المبرر الموضوعي الاستثنائي” للتعدد، سيُصبح محصورا في إصابة الزوجة الأولى بالعقم، أو بمرض مانِع من المعاشرة الزوجية، أو حالات أخرى، يُقدرها القاضي وفق معايير قانونية محددة، تكون في الدرجة نفسها من الموضوعية والاستثنائية.

الطلاق

تضمنت المدونة الجديدة تعديلات تتعلق بإحداث هيئة، غير قضائية، للصلح والوساطة، يكون تدخلها مطلوبا، مبدئيا، في غير حالة الطلاق الاتفاقي، مع حصر مَهَمتها في محاولة الإصلاح بين الزوجين، والتوفيق بينهما في ما يترتب عن الطلاق من آثار.

وفي حالة الاتفاق على الطلاق، فقد رأت المدونة أن تجعل الطلاق الاتفاقي موضوع تعاقد مباشر بين الزوجين، دون الحاجة لسلوك مسطرة قضائية، ومن أجل تقليص أنواع الطلاق والتطليق، بحكم أن التطليق للشقاق يُغطي جُلها، إضافة إلى تحديد أجل ستة أشهر كأجل أقصى للبت في دعاوى الطلاق والتطليق.

كما سيتم اعتماد الوسائل الالكترونية الحديثة للتبليغ في قضايا الطلاق والتطليق، مع قَبول الوكالة في هذه القضايا باستثناء مرحلة الصلح والوساطة.

تقسيم الأموال بعد الطلاق وحضانة الأطفال

تضم المدونة الجديدة تعديلا يتعلق بتأطير جديد لتدبير الأموال المكتسبة أثناء العلاقة الزوجية، حيث ثمن التعديل عمل الزوجة داخل المنزل، واعتبره “مساهمة في تنمية الأموال المكتسبة خلال قيام العلاقة الزوجية”، أي أن قيام الزوجة بشؤون البيت سيعتبر “مشاركة في تنمية الأموال خلال الزواج”.

أما بخصوص حضانة الأطفال، فقد اعتبرتها المدونة المعدّلة “حقا مشتركا بين الزوجين أثناء قيام العلاقة الزوجية، مع إمكانية امتداده، في حال الاتفاق، بعد انفصام العلاقة الزوجية، وتعزيز الحق في سُكْنى المحضون”.

كما وضعت المدونة ضوابط جديدة فيما يخص زيارة المحضون أو السفر به.

ولعل النقطة الأكثر إثارة للجدل، خصوصا على مواقع التواصل، كانت متعلقة بعدم سقوط حضانة الأم المطلقة على أبنائها بالرغم من زواجها، ووجوب نفقة الزوج على أبنائه حتى بعد زواجها.

كما جاء مشروع المدونة بتعديل ينص على جعل “النيابة القانونية” مشتركة بين الزوجين في حال قيام العلاقة الزوجية وبعد انفصامها.

وفي الحالات التي لا يَتَأتى فيها الاتفاق بين الزوجين، على أعمال النيابة القانونية المشتركة، يُرجع، في ذلك، إلى قاضي الأسرة للبت في الخلاف الناشئ.

كما جاءت المدونة بتعديل يتعلق بتحديد الإجراءات القانونية التي يتعين على المحكمة سلْكها من أجل ترشيد القاصر، وتعزيز الحماية القانونية لأمواله، وفرض الرقابة القضائية على التصرفات التي يُجريها وليه أو وصيه أو المقدم عليه.

كما نصت المدونة على حق الزوج أو الزوجة “بالاحتفاظ ببيت الزوجية، في حالة وفاة الزوج الآخر، وفق شروط يحددها القانون”.

إرث البنات

من المرتقب، وفق التعديلات الجديدة على المدونة، أن يتم تفعيل مقترح المجلس العلمي الأعلى، بخصوص موضوع “إرث البنات”، القاضي بإمكانية أن يهب المرء قيد حياته ما يشاء من أمواله للوارثات.

وبالنظر إلى أن الأمر يتعلق بمراجعة عميقة لمدونة الأسرة، فسيتم تبني صياغة بعبارات حديثة، من خلال استبدال بعض المصطلحات سيما إذا تَوقف العمل بها في منظومتنا القانونية والقضائية.