قوة عظمى ستصالح المغرب و الجزائر!!

من قال إن البلدين المغاربيين يقفان الآن على شفا الحرب؟ أليس في الجزم بذلك نوع من المبالغة والتهويل؟ لكنْ هل هناك نار بلا دخان؟ فإن كان الوضع هادئا وعاديا ومستقرا بين المغرب والجزائر، فما الذي يجعل كثيرين لا يستبعدون حدوث مثل ذلك السيناريو؟ لا شك في أن هناك عدة معطيات، تدعو للقلق. ومن الواضح أن كثيرا من وسائل الإعلام المحلية والدولية باتت تتحسب لحدوث تلك الحرب، وآخرها ما جاء في التقرير الذي نشرته الأحد الماضي صحيفة «صوت الشمال» الفرنسية وذكرت فيه أنه يكفي أن يحصل «أي حادث بين الجانبين» لـ»يؤدي إلى أزمة حقيقية بينهما»، متحدثة في ذلك السياق عن مهاجمة مقاتلين من جبهة البوليساريو السبت الماضي، لتجمع لمدنيين في بلدة المحبس الصحراوية المتاخمة للحدود مع ولاية تندوف الجزائرية، التي يتمركز فيها مقاتلو البوليساريو، مشيرة إلى أنه، رغم أن المهاجمين الخمسة، قتلوا قبل أن يتسببوا في وقوع إصابات، إلا أن «الحادثة وقعت في سياق توترات قوية للغاية بين الرباط والجزائر العاصمة»، وهذا ما ينذر ربما بالأخطر والأسوأ.
لكن بعيدا عن الشمال الافريقي، فإن لقاء وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، الأحد الماضي، بنظيره الروسي سيرغي لافروف في سوتشي، على هامش المؤتمر الوزاري الأول لمنتدى الشراكة روسيا افريقيا، طرح نقطة استفهام كبرى. فمع أنه لم يكن شكليا أو بروتوكوليا، إلا أن وكالة الأنباء الرسمية المغربية اكتفت بالتأكيد فقط على أنه مثّل «مناسبة للتباحث بشأن القضايا الثنائية، وتبادل وجهات النظر حول القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك». من دون أن تقدم مزيدا من التفاصيل، وتحدد مثلا مجمل المسائل التي تطرق إليها المسؤولان، أو تشير كما يحصل غالبا في مثل تلك اللقاءات، إلى مدى تطابق وجهات نظر الجانبين حولها.

عرض الملك المغربي لمنفذ للجزائر على المحيط الأطلسي قد لا يعني الجزائريين وحدهم فهو يهم الروس أيضا، الذين قد يكون مثل ذلك المقترح مفيدا لهم في تأمين مصالحهم في المنطقة.

 

 

 

ومن الواضح أن ذلك الأمر لم يحدث بمحض الصدفة، بل كان مخططا له ومقصودا. فالجانبان الروسي والمغربي كانا يرغبان على الأرجح في التعتيم على النقاشات التي جرت بينهما في سوتشي، والسبب قد يكون عدم رغبتيهما في هذا الظرف بالذات في الإفصاح عما يعتزمان القيام به في المرحلة المقبلة، خصوصا في ما يتعلق بأعقد قضية ما زالت تقسم الجارتين المغاربيتين، أي المغرب والجزائر وهي قضية الصحراء. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا وبحدة هو كيف تفاعل الروس مع تصريحات بوريطة، التي سبقت ذلك اللقاء بيومين، وتمت في جلسة برلمانية خصصت لمناقشة ميزانية وزارته، وتحدث فيها عن أن «هناك مؤشرات تدل على رغبة الجزائر في إشعال حرب في المنطقة، والدخول في مواجهة عسكرية مع المغرب»؟ هل تراهم ناقشوا معه تلك المسألة بالتحديد؟ ثم إن حصل ذلك هل يمكن أن يكونوا قد طرحوها بعد ذلك على وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، الذي كان حاضرا بدوره في ذلك المؤتمر الوزاري؟ سيكون من الصعب جدا أن لا يكون الطرفان المغربي والروسي، على الأقل، قد تطرقا وبشكل من الأشكال إلى تلك التصريحات التي قد تعد في الظرف الدولي والإقليمي الحالي على قدر كبير من الأهمية والخطورة، فالمغاربة يعرفون جيدا أن موسكو، رغم التقلبات وحالات الفتور والبرود، التي مرت بها علاقتها مع الجزائر في بعض الفترات، بسبب اختلاف وجهات نظر البلدين حول بعض القضايا، مثل تلك التي تخص دول الساحل وليبيا، إلا أنها ما زالت تمثل حليفا قويا للجزائر. والروس يدركون من جانبهم أن ذلك الوضع قد يجعلهم في نظر المغاربة الطرف المثالي الذي قد لا تكون له القدرة فقط على أن ينقل رسائل بين العاصمتين المغربية والجزائرية، بل في أن يقوم بمساع وجهود تمكن من خفض التصعيد والتوتر المتواصل بينهما. لكن ما الذي يمكن ان يكون لافروف قد قاله لبوريطة، بعد أن عرض عليه الوزير المغربي آخر التطورات الميدانية التي حصلت في الصحراء وهي إطلاق البوليساريو السبت الماضي لقذائف سقطت قرب خيمة كان يجتمع فيها مدنيون في بلدة المحبس القريبة من الحدود الجزائرية؟ هل يمكن أن يكون قد وعده مثلا بإقناع الجزائريين بوقف تلك العمليات الاستفزازية التي يعتبرها الجانب المغربي خطوة قد تؤدي إلى إشعال حرب جديدة في المنطقة؟

 

لقد تابع الروس وبلا شك وباهتمام شديد الخطاب الذي ألقاه العاهل المغربي الخميس الماضي بمناسبة ذكرى ما تعرف بالمسيرة الخضراء، التي أطلقها والده العاهل الراحل الحسن الثاني قبل تسعة وأربعين عاما، نحو ما كانت تعرف حينها بالصحراء الإسبانية. ومع أن الجزائر كانت المعنية أكثر من غيرها في معظم فقرات الخطاب ذاته، من خلال إشارة الملك محمد السادس إلى أنه وبالموازاة مع ما وصفه بالوضع الشرعي والطبيعي في الصحراء، فإن هناك وكما قال «عالم آخر منفصل عن الحقيقة، ما زال يعيش على أوهام الماضي، ويتشبث بأطروحات تجاوزها الزمن»، إلا أن ما تلا ذلك التوصيف لم يكن يهم الجزائريين فقط، بل يعني أيضا ولو بدرجة أقل الروس، ليس فقط لأن روسيا عضو دائم في مجلس الأمن الدولي، بل لأن ما طرحه الملك محمد السادس في ذلك الخطاب كان على تماس مباشر مع مصالحهم في المنطقة. فقد ذكر العاهل المغربي أن «هناك من يطالب بالاستفتاء، رغم تخلي الأمم المتحدة عنه واستحالة تطبيقه، وفي الوقت نفسه يرفض السماح بإحصاء المحتجزين بمخيمات تندوف، ويأخذهم كرهائن في ظروف يرثى لها من الذل والإهانة والحرمان من أبسط الحقوق»، قبل أن يضيف «وهناك من يستغل قضية الصحراء للحصول على منفذ على المحيط الأطلسي ولهؤلاء نقول نحن لا نرفض ذلك، والمغرب وكما يعرف الجميع اقترح مبادرة دولية لتسهيل ولوج دول الساحل للمحيط الأطلسي، في إطار الشراكة والتعاون وتحقيق التقدم المشترك لكل شعوب المنطقة». ويتابع بعدها «وهناك من يستغل قضية الصحراء ليغطي على مشاكله الداخلية الكثيرة، وهناك كذلك من يريد الانحراف بالجوانب القانونية لخدمة أهداف سياسية ضيقة ولهؤلاء أيضا نقول، إن الشراكات والالتزامات القانونية للمغرب لن تكون أبداً على حساب وحدته الترابية وسيادته الوطنية»، ثم يخلص للقول، «حان الوقت لتتحمل الأمم المتحدة مسؤوليتها وتوضح الفرق الكبير بين العالم الحقيقي والشرعي، الذي يمثله المغرب في صحرائه، وعالم متجمد بعيد عن الواقع وتطوراته».
ولعل هناك من سيقول وما علاقة روسيا بكل ذلك؟ إن عرض الملك المغربي لمنفذ للجزائر على المحيط الأطلسي قد لا يعني الجزائريين وحدهم فهو قد يهم وبالقدر نفسه أيضا الروس، الذين قد يكون مثل ذلك المقترح مفيدا لهم في تأمين مصالحهم في المنطقة. كما أن دعوته الأمم المتحدة لتحمل مسؤوليتها في توضيح ما وصفه بالعالمين الحقيقي والمتجمد، تتوجه لهم ولو في جانب ما حتى يراجعوا موقفهم من النزاع الصحراوي. ولعل ما يقوله المغرب الآن لروسيا إنه باستطاعتها أن تنزع فتيل الحرب مع الجزائر، وإنه سيكون من مصلحتها أن تفعل ذلك اليوم قبل الغد.

 

كاتب وصحافي من تونس*