انتهى زمن اليد الممدودة.. صفعة ملكية قوية لخصوم وحدة المغرب الترابية!

خلافا لسياسة اليد الممدودة التي ظل ملك المغرب محمد السادس ينهجها تجاه أشقائه حكام الجزائر، عبر دعواته المتكررة لتجاوز الخلافات التي اشتد لهيبها في السنوات الأخيرة وخاصة منذ أن جيء بالمسمى عبد المجيد تبون رئيسا للجزائر، الذي دفع بالبلدين نحو مزيد من التصعيد. وقد بلغت حدة التوتر مداها إثر اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بمغربية الصحراء أواخر عام 2020، لتسارع الجزائر إلى قطع علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب، وإغلاق مجالها الجوي أمام جميع الطائرات المدنية والعسكرية المغربية، فضلا عن فرض التأشيرة على المغاربة في عام 2024 متهمة المغرب بممارسات عدائية والتشجيع على التجسس وإغراق الجزائر بالمخدرات، وما إلى ذلك من خزعبلات “الكابرانات”.

أبى العاهل المغربي إلا أن يتخذ منحى آخر مغاير في خطابه السامي الموجه إلى الأمة يوم الأربعاء 6 نونبر 2024، بمناسبة تخليد الذكرى التاسعة والأربعين للمسيرة الخضراء المظفرة التي أطلقها والده الملك الراحل الحسن الثاني يوم الخميس 6 نونبر 1975 بهدف تحرير الصحراء المغربية من الاستعمار الإسباني، التي شارك فيها 350 ألف مواطنة ومواطن مغربي من مختلف الأعمار والفئات الاجتماعية.

 

حيث أن جلالته أكد في خطابه التاريخي أن المغرب وفي إطار الدفاع عن وحدته الترابية ومغربية صحرائه، تمكن من ترسيخ واقع ملموس وحقيقة لا رجعة فيها، قائمة على الحق والشرعية والالتزام بالمسؤولية. وأوضح أن الأمر يتعلق أساسا ب”تشبث أبنائنا في الصحراء بمغربيتهم، وتعلقهم بمقدسات الوطن، في إطار روابط البيعة، القائمة عبر التاريخ، بين سكان الصحراء وملوك المغرب” وأضاف بأنه يتعلق أيضا ب”النهضة التنموية، والأمن والاستقرار، الذي تنعم به الصحراء المغربية، والاعتراف الدولي المتزايد بمغربية الصحراء، والدعم الواسع لمبادرة الحكم الذاتي”. ثم أشار إلى وجود “عالم آخر منفصل عن الحقيقة مازال يعيش على أوهام الماضي بأطروحات تجاوزها الزمن، فهناك من ينادي بالمطالبة بالاستفتاء، وهناك من يستغل قضية الصحراء للحصول على منفذ إلى المحيط الأطلسي، وهناك من يستغل قضية الصحراء للتغطية على مشاكله الداخلية الكثيرة” فأي صفعة أقوى وأشد إيلاما من هذه الصفعة الملكية الموجهة إلى النظام العسكري الجزائري وصنيعته جبهة البوليساريو الانفصالية والإرهابية؟

 

فالخطاب الملكي جاء صريحا ومباشرا ولا يحتاج إلى كبير عناء لفهم مضامينه وما بين السطور، إذ أنه بالإضافة إلى ما يشكله من صفعة قوية لخصوم وحدة المغرب الترابية وفي مقدمتهم حكام قصر المرادية، يؤكد بما لا يدع مجالا للشك حقيقة واحدة ثابتة، هي تمسك المغاربة القوي بصحرائهم مهما كلفهم الأمر من ثمن باهظ، ومهما حاول النظام العسكري الجزائري معاكسة بلادهم عبر ترويج الأكاذيب والخرافات، سعيا منه إلى لفت أنظار الشعب الجزائري عن أزماته ومشاكله الداخلية. كما لم يفت جلالته استغلال هذه المناسبة في توجيه الدعوة للأمم المتحدة ومن خلالها المنتظم الدولي، من أجل التصدي لمختلف الممارسات الخارجة عن إطار الشرعية الدولية، والتعجيل بتسوية النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، ولاسيما أن مقترح الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب منذ سنة 2007 يعتبر حلا واقعيا وذا مصداقية لقضية الصحراء، ويحظى بدعم دولي واسع.

 

وليست هذه الصفعة الملكية القوية هي الأولى ولن تكون الأخيرة مادامت الطغمة العسكرية الحاكمة في الجزائر متمادية في غيها ومصرة على معاكسة المغرب في وحدته الترابية، فطالما تتالت الصفعات إثر تناسل الاعترافات بمغربية الصحراء ودعم مبادرة الحكم الذاتي كأساس وحيد لتسوية النزاع الإقليمي الذي عمر أزيد من خمسة عقود، في إطار الدينامية التي أطلقها عاهل المغرب لتكريس الطرح المغربي. وخاصة عندما وجه يوم 20 غشت 2022 رسالته الواضحة للجميع في خطابه السامي بمناسبة تخليد الذكرى التاسعة والستين لثورة الملك والشعب، حيث قال: “إن ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات”

 

ونستحضر هنا في هذا السياق على سبيل المثال لا الحصر تلك الرسالة/الصفعة التي تلقاها النظام الجزائري من جامعة الدول العربية ليلة استضافة قمة رؤساء الدول العربية في عام 2022، تخبره من خلالها باعترافها بمغربية الصحراء وإضفاء الطابع الرسمي على خريطة العالم العربي التي تدمج الأقاليم الجنوبية في المغرب. وكذا تلك الصفعة القادمة من مدينة العيون حاضرة الصحراء المغربية، إثر استقبال رئيس جماعتها في أكتوبر 2023 وفدا رفيع المستوى من دبلوماسيين وملحقين عسكريين من السفارة الفرنسية بالرباط، قبل أن تأتي صفعة أخرى أشد من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي جدد يوم الثلاثاء 29 أكتوبر 2024 من تحت قبة البرلمان المغربي موقف بلاده الداعم لسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، خلال زيارة دولة إلى الرباط التي استغرقت ثلاثة أيام من 28 إلى 30 أكتوبر 2024…

 

إن خطاب 6 نونبر 2024 خطاب صريح لما يحمل من دلالات عميقة وصادقة، تؤكد أن مغرب اليوم بات أكثر حزما من ذي قبل وعلى استعداد تام لمواجهة كل مناورات الخصوم، ولا يمكن له تحت أي ظرف التفريط في شبر واحد من أراضيه أو التفاوض صحرائه بل بشأن النزاع الإقليمي مع الجزائر. إذ أنه وفي إطار الشرعية الدولية، وخدمة للاستقرار والتنمية الشاملة في القارة الإفريقية، أصبح من الضروري المرور نحو تنزيل مبادرة الحكم الذاتي.