عاد الملك محمد السادس في خطاب الذكرى التاسعة والأربعين للمسيرة الخضراء، ليؤكد، مرة أخرى، على النهج السياسي والدبلوماسي نفسه في تعامله مع النظام الحاكم في الجزائر، وهو مد “اليد الممدودة” إلى الجارة الشرقية، بالرغم من العداء المتجدر لحاكميها إزاء المملكة ومصالحها العليا.
يقول الملك محمد السادس في جزء من خطاب مساء أمس الأربعاء: “هناك من يستغل قضية الصحراء للحصول على منفذ على المحيط الأطلسي”، في إشارة ضمنية إلى الجزائر، قبل أن يضيف: “لهؤلاء نقول: نحن لا نرفض ذلك؛ والمغرب كما يعرف الجميع، اقترح مبادرة دولية، لتسهيل ولوج دول الساحل للمحيط الأطلسي، في إطار الشراكة والتعاون، وتحقيق التقدم المشترك، لكل شعوب المنطقة”.
من أجل الانفتاح على بلدان القارة الإفريقية في اتجاه بناء تجارب تعاون محلية واستثنائية تساعدها على تجاوز التحديات التي تواجهها على أكثر من صعيد، كان ملك البلاد في خطاب الذكرى الثامنة والأربعين للمسيرة الخضراء، قد رسم ملامح المبادرة الأطلسية بما يمكن دول الساحل من الولوج إلى المحيط الأطلسي، مؤكدا آنذاك في خطابه أن “المغرب مستعد لوضع بنياته التحتية والطرقية والمينائية والسكك الحديدية، رهن إشارة تلك الدول دعما لهذه المبادرة”.
أسابيع قليلة بعد الإعلان الملكي عن هذه المبادرة، اجتمع وزراء خارجية دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد في دجنبر 2023 بمراكش، بدعوة من وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، للشروع في تفعيل مسعة الملك إلى تحقيق تحول اقتصادي للمنطقة برمتها، بما يسهم في تسريع للتواصل الإقليمي وللتدفقات التجارية ومن ازدهار مشترك في منطقة الساحل، غير أن الجزائر رأت في ذلك تهديدا لمصالحها في المنطقة، فعمدت إلى منع دخول البضائع القادمة عبر الموانئ المغربية، علاوة على معاقبة الدول التي انضمت إلى هذه المبادرة، عن طريق توقيف القروض عنها، علما أن خلفيات تحركات الجارة الشرقية للمملكة في ملف الصحراء يرتبط جزء منها بحلم الوصول إلى مياه المحيط الأطلسي لقربها من مواقع تصدير موادها الأولية في جنوب غرب البلاد.
في قراءته لهذا الموضوع، أفاد إبراهيم بلالي اسويح، عضو المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، بأن “الإشارة التي وردت في الخطاب الملكي في الشق المتعلق منه بالمبادرة الاستراتيجية المغربية الأطلسية، تندرج بالفعل في إطار سياسة اليد الممدودة التي عاد خطاب المسيرة الخضراء ليؤكدها مجددا، بعد خطابات مماثلة سابقة، في مقدمتها خطاب الذكرى الـ41 للمسيرة الخضراء من دكار، عاصمة السنغال”.
ولفت اسويح في تصريح لـ”الأيام 24″ إلى أن “الملك كشف الستار عن المناورات التي كانت تقوم بها الجزائر في بحثها الميداني عن منفذ إلى المحيط الأطلسي، سواء عبر اقتراح تسويات متجاوزة كما هو الحال لتلك المقدمة في عهد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة 2002، والمتعلقة بتقسيم الصحراء المغربية، في محاولة فاشلة لقطع الطريق على المغرب أمام عمقه الإفريقي ثم الاستفادة من بوابة أطلسية، وهو الاقتراح التي أعادت الجزائر إحياءه مؤخرا عن طريق المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء، ستيفان دي ميستورا، الذي قدمه في إحاطته أمام أعضاء مجلس الأمن قبيل صدور القرار 2756”.
ويُستنتج من تأكيد الملك أن الرباط لا تعارض منح الجزائر إمكانية الوصول الى المحيط الأطلسي، يبرز اسويح، “انفتاح المغرب على القارة الإفريقية، خاصة دول جنوب الساحل، كما يمكن أن تكون مقاربة تكاملية مع دول الجوار على أساس أرضية توافقية تطرح عليها جميع المشاكل الراهنة”، موضحا أن الدعوة الملكية إلى الجزائر من أجل الانخراط والاستفادة من المزايا التي يوفرها الأطلسي تسعى أيضا إلى “ضمان الأمن وتعزيز الاستقرار في المنطقة”.
غير أن الأساس الذي ينبغي على إثره تحقق هذا الأمر، يبدأ، بحسب عضو المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، بتخلي الجزائر عن العقيدة العسكرية التي تراهن على جمود النزاع المفتعل حول الصحراء، مع التوافق والسعي نحو مواجهة التحديات الإقليمية المطروحة، بما فيها الإرهاب والجريمة المنظمة والتهريب، وغيرها من التهديدات التي تجري في منطقة الساحل”.