ملفات ساخنة تنتظر الولاة والعمال الجدد

قال رشيد لبكر، أستاذ القانون العام بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية جامعة شعيب الدكالي بالجديدة، إن “دستور فاتح يوليوز 2011، أسند العديد من المهام لرجال السلطة الممثلين في السادة العمال والولاة، وذلك ضمن مقتضيات الفصل 145 الذي نص على أن ولاة الجهات وعمال الأقاليم والعمالات، يمثلون السلطة المركزية في الجماعات الترابية، ويعملون بإسم الحكومة، على تأمين تطبيق القانون، وتنفيذ النصوص التنظيمية للحكومة ومقرراتها، كما يمارسون المراقبة الإدارية ويساعدون رؤساء الجماعات الترابية، وخاصة رؤساء المجالس الجهوية، على تنفيذ المخططات والبرامج التنموية. ويقومون، تحت سلطة الوزراء، بتنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة للإدارة المركزية، ويسهرون على حسن سيرها”.

وأضاف لبكر، في تصريح لـ”الأيام 24″، أن “هذا المقتضى الدستوري الهام، جاء مدعما ومقويا لدور السادة العمال والولاة المؤطرة كما هو معلوم بمقتضى ظهير 1977، مع كل التعديلات التي لحقت بعضا من فصوله والتي تصب كلها في خانة دعم وتقوية هذه الأدوار بما يخدم مطلب تنمية المجال الترابي ورعاية مصالحه”.

 

وتابع أنه “في إطار نفس الرؤية أيضا، صدر مرسوم 26 ديسمبر 2018 بمثابة ميثاق وطني للاتمركز الإداري، الذي أسند هو الآخر اختصاصات واسعة للولاة والعمال، تنحو في اتجاه تقوية تنسيق العمل بين المصالح اللاممركزة للدولة على مستوى العمالة أو الإقليم وضمان التقائية وموائمة البرامج التنموية والمسطرة من قبل هذه المصالح لصالح الجماعات الترابية الممثلة فيها”.

 

وأفاد المتحدث عينه، أن “العامل (أو الوالي)، أضحى المخاطب الرسمي في كل ما يتعلق بالتنمية الترابية بما يتمتع به من صلاحية، باعتباره المسؤول عن ضبط النظام العام وتطبيق القوانين وضمان السكينة العامة وحفظ الصحة، وقد رأينا الأدوار الطلائعية جدا التي أسندت لكل رجال السلطة وعلى رأسهم السادة العمال إبان أزمة كورونا”.

 

وأشار الأكاديمي ذاته، إلى أن “هذه الجائحة، تكفي بمفردها لتأكيد المكانة السامية التي باتت تتمتع بها هذه العينة من رجال السلطة”، مضيفا أنه “غير خاف القول، بأن أدوارها عرفت منحى جديدا مع الخطاب التاريخي لصاحب الجلالة بالدار البيضاء في أكتوبر 1999 الذي أعلن فيه عن الانتقال إلى عهد جديد في ممارسة هذه المهام، من خلال دعوته إلى اعتماد مفهوم جديد للسلطة، يقطع مع زمن المقاربة الأمنية نحو مقاربة جديدة تعطي للأمن مفهوما آخر، يتأسس على رعاية وحماية الحقوق الفردية والجماعية للمواطنين، وعلى صون الحق في التعبير وعلى ضرورة الإنصات لنبض المجتمع والتفاعل مع تطلعات الجماهير في أفق التأسيس الفعلي لدولة الحق والقانون، وتوفير الشروط الفضلى للتنمية الاجتماعية والاقتصادية وضمان الحق في العيش الكريم”.

 

وأوضح أن “ذلك يأتي عن طريق الاهتمام بتحسين الوسط البيئي وتطهير المناخ الاقتصادي بتشجيع الاستثمار وتبسيط المساطر، وخلق فرص للشغل والانخراط في خلق دينامية أخرى بالأوساط الترابية للمملكة على مختلف درجاتها، ضمانا للإنصاف الترابي وتدعيما للسلم الاجتماعي”.

 

وأكد لبكر أنه “ينتظر من الولاة والعمال المعينين مؤخرا إعطاء بعد واقعي وإجرائي، لكل هذه التطلعات من خلال إعادة إحياء المفهوم الجديد للسلطة وإعطائه نفسا جديدا وحياة أخرى أكثر ملاءمة لمعطيات الواقع الذي يواجه اليوم تحديات حديثة، مطبوعة بارتفاع تكلفة المعيشة وسنوات الجفاف وندرة المياه وتراجع الإنتاج الفلاحي وارتفاع الفاتورة الطاقية وتزايد الحيف الترابي، وحدة التفاوتات المجالية وتعكر المزاج القومي بسبب الحرب على غزة وتحرشات المناوئين لوحدتنا الترابية، إضافة إلى مراهنة الدولة على تحقيق مطلب الدولة الاجتماعية و الرفع من وتيرة الاستعداد لاحتضان فعاليات كأس العالم، ومواصلة تنفيذ الاوراش الهيكلية الكبرى، وعلى رأسها مشروع الربط المائي بين الأحواض”.

 

وشدد على أن “كل هذه التحديات تلقي بثقلها، على تفكير وأجندة السادة العمال والولاة المعينين ولو بنسب مختلفة باختلاف المجالات الترابية التي آلت مسؤولية إدارتها إلى كل واحد منهم”، مستدركا: “لكن يبقى الهم واحد والرهان مشترك بينهم جميعا”.

 

وأردف “أعتقد شخصيا، أن الدينامية التي تعرفها بعض الجماعات بالمغرب مثل طنجة والرباط وسلا والدار البيضاء وأكادير، ستضع كل هؤلاء المعينين وحتى غيرهم من باقي عمال وولاة المملكة، أمام محك المقارنة الميدانية، على اعتبار أن الجميع مؤطر بنفس القوانين ومسنود بذات المهام”.

 

ونبه الأستاذ الجامعي إلى أنه “ليس هناك ما يبرر نجاح هذا الوالي أو العامل وإخفاق ذلك غير منسوب الكفاءة”، مستدركا: “قد نقبل بتفاوت الحصيلة تبعا لحجم التراكمات، وهذا شيء طبيعي، لكن أن تكون النتيجة العامة، سلبية برمتها، فهذا ما لم يعد بالإمكان تبريره ولا القبول به، في زمن تتسارع فيه الأحداث وتشتد المنافسة وتزداد المطالب”.

 

وسجل أن “نجاح هؤلاء المسؤولين في المهام الموكلة إليهم من عدمه، تضع الجميع كما سبقت الإشارة، أمام سؤال الكفاءة ومدى القدرة على ممارسة المهام واستلهام الحلول والسرعة في تدارك الخصاص ورأب التصدعات ومجابهة “الحكرة” المجالية”.

 

وخلص لبكر حديثه قائلا: “يمكن تلخيص مجمل التحديات التي تواجه المعينين الجدد، في نقطتين: إعادة الاعتبار للجماعات التي طالها النسيان وعمها التهميش، وإقرار مبدأ الإنصاف الترابي بين جميع المجالات”.