كيف تخلد الأسر المغربية ذكرى المولد النبوي في ظل التحولات المجتمعية؟ (حوار)

يشكل ذكرى المولد النبوي الشريف مناسبة خاصة لدى قاطبة المسلمين حول العالم، والمغرب مثل سائر هذه البلدان يخلد هذه الذكرى وفق تقاليد وطقوس خاصة، تمتح من الثقافة المغربية وتنهل من معينها الأصيل لتمنحها خصوصية متفردة ومميزة.

ومن عادة المغاربة في هذه الذكرى المباركة صلة الرحم، واحتساء الشاي وسط تجمعات عائلية مع ضرورة إعداد “قصعة الكسكس” الخاصة بهذه المناسبة، والتي تلعب دورا مهما في لم شمل العائلات المغربية، وهذا طقس اجتماعي مغربي فريد، كما تصادفك وأنت تطوف بالشوارع والبيوت روائح البخور وأصوات الذكر والابتهالات في جو مهيب يمزج بين الخشوع والفرح.

 

يرى جواد عبيد الأستاذ الباحث في الثقافة والتواصل أن الاحتفاء بذكرى عيد المولد النبوي الشريف، فرصة دينية يتحقق من خلالها الصفاء الروحي وتحيي بها الأسر المغربية عادات طيبة ترسخ لقيم التزاور والتراحم والتصالح مع الفرح والابتسام.

 

العالم الإسلامي يحتفل بذكرى المولد النبوي، ولكل مجتمع طقوسه الخاصة وعاداته التي تميزه عن الآخرين، وتمنحه تفرده وتميزه.

 

وفي المغرب هناك طقوس تمثلنا كمغاربة وتعطي لهذه الذكرى نكهة خاصة.

 

ما هي مظاهر الاحتفال بهذه المناسبة لدى المغاربة ؟
المجتمع المغربي ومنذ عقود طويلة تتعدد وتتنوع مظاهر احتفاله بالمولد النبوي الشريف جريا على عادة الأجداد الذين هاموا حبا في رسول الله صلى الله عليه وسلم وآل بيته الطاهرين. وهذا امتداد زمني متجذر منذ الدولة الإدريسية وعلى عدة مستويات.

 

فعلى المستوى الديني، دأبت المجالس العلمية للمغرب إلى جانب المؤسسات الدينية الأخرى مثل المساجد على الاحتفاء بالذكر والمديح واستحضار السيرة النبوية العطرة وما تضمه من إرشادات وتوجيهات وسنن طيبة، تساهم في ضبط بوصلة المجتمع وتهذيب سلوكه ونشر الأخلاق.

 

أما على المستوى الاجتماعي، فمن عادة العائلات والأسر المغربية القيام بزيارات للأهل والأحباب، وتجديد صلة الوصل بين المتخاصمين ورفع قيمة التسامح لديهم، إلى جانب الالتفاف حول “صينية الشاي” المغربي الأصيل و وجبة الكسكس التي تعتبر طقسا له خصوصيته في ثقافة ووجدان المغاربة.

 

والحقيقة أن المجتمع المغربي وبهذه الطقوس والعادات يعبر عن عمق تحضره ورقيه في استثمار مثل هذه المناسبات لتغذية وإغناء ذاته روحيا وجماليا، مع الاستغلال الحسن لكل مداخل التواصل هذه من عين وشم وذوق وحس وروح.

 

كيف تساهم هذه المناسبات في إنعاش الاقتصاد الوطني؟
الجانب الأهم والخفي في مثل هذه المناسبات هو الجانب الاقتصادي والتجاري، لأن مثل هذه الأعياد والمناسبات تساهم بشكل كبير في تحقيق رواج اقتصادي للعديد من المهن والحرف، كما تخلق سيولة مهمة في دورة الاقتصاد، وتساهم أيضا في خلق حالة من الفرح العام الذي ينتج عن رفع مستوى العيش والدخل وهذه إحدى مقاصد هذه المناسبات.

 

ومن بين المهن والحرف التي تنتعش بشكل كبير تلك التي ترتبط بالصناعة التقليدية مثل اللباس التقليدي ومنتوجات العطارة إلى جانب الإقبال الكبير على الفواكه الجافة والبخور والحناء.

 

كما تنتعش محلات بيع الحلويات المغربية الأصيلة مثل “كعب غزال” و”غريبة” و”الفقاص”، وصولا إلى الأنشطة التجارية الصغرى.

بين الأمس واليوم طرأت ربما تغيرات كبيرة في طريقة الاحتفال بهذه المناسبة.. أين تتجلى مظاهر هذا الاختلاف ؟
مما لا شك فيه ولا لبس أن الأعياد والمناسبات وكل أشكال الاحتفال هي أنساق ثقافية وقيمية وأنتربولوجية تعكس نمط أمة ما في التفكير والعيش والقيم، وكل تغيير يطال هذه الأنساق قد يكون هادما لهذه الهوية، ومؤسسا لهوية مغايرة وجديدة، وهذا هو صلب موضوع الحداثة، لأن الحداثة ما هي إلا صراع بنيات ثقافية، وعليه وللحقيقة، لابد من التأكيد على أن الشعب المغربي ومؤسسات الدولة المغربية لا يزالان يحافظان بشكل واضح، رغم بعض الاستثناءات على طقوس الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، مع بروز اتجاهات، بحكم التغيرات الاقتصادية والاجتماعية و منطق الأولوية، تسعى إلى التخلي عن الاحتفال بمثل هذه المناسبات دون وعي بتبعات هذا التخلي على منظومة القيم والاجتماع والاقتصاد والثقافة وبالتالي الهوية.