لا يستلهم إيهاب أبو جزر، مدرب المنتخب الفلسطيني، من والدته المقيمة في خيمة في قطاع غزة روح الإصرار والعزيمة فقط، بل بعض النصائح الفنية والتكتيكية أيضا، ما مكنه من قيادة “الفدائي” إلى تحقيق إنجاز غير مسبوق ببلوغ ربع نهائي كأس العرب لكرة القدم في الدوحة.
وتعادل المنتخب الفلسطيني مع نظيره السوري، في الجولة الأخيرة من دور المجموعات، ليتأهل المنتخبان سويا إلى دور الثمانية، فيما ودع منتخبا تونس وقطر المنافسات.
يروي أبو جزر (45 عاما) لوكالة “فرانس برس” حرص والدته على الحديث معه هاتفيا من غزة حصرا في أمور المنتخب: “لا تتحدث معي عن شيء سوى عن المنتخب، فهي تريد أن يبقى التركيز محصورا بشأن البطولة”.
يضيف: “تسألني الوالدة عن اللاعبين. من سيلعب أساسيا ومن سيغيب، وعن التكتيك ومعنويات الشباب والظروف المحيطة بهم”.
والدته، هدى محمود أبو جزر (62 عاما)، نازحة الآن في مخيم المواصي بغزة، بالقرب من خان يونس، وتعيش في خيمة مع ابنها الآخر وزوجته وأطفالهما.
قالت لـ”فرانس برس”: “كان شغفه لعب كرة القدم منذ صغره، بدأ لعب كرة القدم في فريق صغير بمدينة رفح، وبعد ذلك انضم للمنتخب الفلسطيني وسافر الى الضفة الغربية ليكمل مسيرته لأن كرة القدم كانت حلم حياته”.
وتابعت: “إيهاب اشتغل وتعب كثيرا على نفسه، رغم كل الظروف الصعبة، حتى أصبح الآن مدربا لمنتخب فلسطين لكرة القدم. وبعد جهد كبير منه حتى وصل هو وفريقه لهذا المستوى الرائع الذي نشاهده في المباريات حاليا، جعلنا نفتخر بهم جميعا، وشرف كبير لنا ولأهل غزة ولفلسطين”.
وأردفت: “شعوري لا يوصف من شدة الفرحة بابني وفريقه الرائع”، كاشفة، “كل المخيم هنا صرخ وهلل لحظة فوز منتخب فلسطين وعلت أصوات الزغاريد، أعادوا لنا فرحة كنا قد نسيناها بغزة”.
هدموا بيت العمر
يشير أبو جزر الذي تولى قيادة “الفدائي” أواخر عام 2024، إلى المأساة التي تعشيها عائلته بعد الحرب “بيتي هدم، وبيوت أهلي هدمت، البيت الذي بنيناه طوبة طوبة (حجرا حجرا) هدم، كان بيت العمر (…)”.
يتابع: “والدتي وأشقائي يعيشون في خيمة، ويعانون كثيرا لكي يتابعوا مبارياتنا على التلفزيون، “يفكرون كيف يتدبرون أمر المولد الكهربائي وشراء الوقود لتشغيله وشبكه على التلفزيون”.
لكنه يردف قائلا: “كل هذه الظروف تدفعنا للقتال على أرض الملعب لآخر نفس وهذا ما يجعلنا نقف على أقدامنا دائما ويمنحنا الدافع حتى نفرح أهلنا في غزة”.
وإذا ما هذه الظروف شكلت عبئا عليه، يقول أبو جزر الذي أنهى مسيرته كلاعب عام 2017 وانتقل إلى التدريب عام 2020 بتوليه قيادة منتخب دون 23 عاما: “في فترة من الفترات كانت عبئا تحديدا في بداية الحرب. لنكن واقعيين، لم نكن نستوعب ما يجري، ولكن نحن نمتلك جينات عدم الاستسلام”.
إذا رضخنا سوف نندثر
يتابع: “إذا استسلمنا ورضخنا لهذه الأمور فإننا كشعب سوف نندثر وقضيتنا ستذوب. نمتلك من الإصرار والعزيمة ما يكفي لكي نقف مجددا، وهنا لا أتحدث عن شعارات بل عن واقع”.
ويؤكد أبو جزر أن “منتخب فلسطين يحمل إرثا كبيرا من الشهداء والجرحى والأسرى والمبعدين والشتات، وهو منتخب يحمل أيضا إرثا من المعاناة والعذابات كما يحمل رسالة شعب حي، يريد أن يعيش كما بقية شعوب العالم”.
ويضيف: “شعب حيوي إذا هيئت له الظروف يبدع في كل المجالات”.
وبلغ “الفدائي” ربع نهائي كأس العرب لأول مرة في تاريخه، بعد حصده لـ 5 نقاط، متصدرا مجموعته، وذلك بعد خمس مشاركات سابقة ودع خلالها من الدور الأول للبطولة التي انطلقت عام 1963 في بيروت، فيما حلت سوريا، التي رافقته للدور المقبل، وصيفة ثلاث مرات (1963، 1966، 1988) في مشاركاتها الثماني السابقة.
المعاناة تنعكس ضغطا إيجابيا
عن هذه الروح يقول أبو جزر: “نحن نقول دائما إننا أسرة فلسطينية صغيرة تمثل الأسرة الكبيرة وهي كل الشعب الفلسطيني في الداخل أو في الشتات”.
يتابع: “نحاول أيضا أن نوصل الرسالة التي تصلنا من الداخل ومن قطاع غزة والمحافظات الشمالية. لا شك أنها تشكل ضغطا علينا لكنه ضغط إيجابي”.
ويؤكد أبو جزر الذي بدأ مسيرته لاعبا مع نادي شباب رفح قبل أن ينتقل إلى هلال القدس والأمعري وشباب السموع، أن طموحات منتخب بلاده تكبر تدريجيا في البطولة، “نخوض البطولة مباراة بمباراة. من أول ما وصلنا إلى قطر كنا نفكر في مباراة ليبيا (في التصفيات). ثم بدأنا التفكير في قطر وبعدها تونس”.
(وكالات بتصرف)
