القاضية مليكة حفيظ في رسالة للزفزافي: الملك وراء منحك الترخيص الانساني

رسالة إلى السيد ناصر الزفزافي..
في البداية لا بد من التذكير بأن منح الإذن الاستثنائي للسجين لحضور جنازة لا يغيّر من وضعيته القانونية، إذ يظل تحت الحراسة وخاضعاً لرقابة الإدارة. هذا الترخيص مقيد بالغاية التي منح من أجلها ولا يخول له إلقاء خطابات أو التعبير عن مواقف سياسية، لأن ذلك يتجاوز حدود الإذن ويُعد خرقاً للضوابط التنظيمية وفق المادة 59 من القانون 23.98. أما التسامح مع بعض الكلمات ذات الطابع الإنساني أو الوطني فيبقى مجرد تقدير سياسي ولا يرتقي إلى مرتبة الحق القانوني.
تابعت كلمتك الموجهة للمغاربة الحاضرين في عزاء والدك رحمه الله، وما تضمنه من إشادة بمندوب إدارة السجون الذي أذن لك بحضور مراسيم الدفن. غير أن ما ينبغي التأكيد عليه قانوناً وسياسياً، هو أن القرارات المتعلقة بالسماح لمعتقل بمغادرة المؤسسة السجنية، ولو لظرف إنساني، لا تندرج ضمن صلاحيات المندوب الإداري وحده، بل تظل خاضعة لسلطة الدولة في بعدها السيادي، وتصدر في إطار تعليمات وتوجيهات سامية، يمر تنفيذها عبر ممثلي السلطة الترابية والإدارة الترابية.
فمن الناحية الدستورية، يبقى جلالة الملك، بصفته رئيس الدولة ورمز وحدة الأمة وضامن دوام الدولة واستمرارها، هو الساهر على الحقوق والحريات، وهو من يُمكّن ـ عبر مؤسسات تابعة له ـ من اتخاذ مثل هذه التدابير ذات البعد الإنساني والسياسي. وبالتالي، فإن حضورك مراسيم دفن والدك لم يكن قراراً إدارياً محضاً، وإنما ثمرة قرار سيادي يعكس البعد الإنساني للمؤسسة الملكية.
كما أن ما أثار الانتباه هو غياب توجيه الشكر لجلالة الملك، رغم أن من سهر على تمكينك من هذا الحق الإنساني هم مؤسسات وجنود صاحب الجلالة. والإقرار بهذا الدور لا يُعد مجاملة، بل اعترافاً بمصدر القرار الشرعي والسيادي، وهو ما يعزز الثقة ويُرسّخ مسار طي صفحة التوتر نحو بناء علاقة جديدة قائمة على الثوابت الوطنية
غير أن ما عبرت عنه من مواقف واضحة بشأن الوحدة الترابية للمملكة والتشديد على أنه “لا شيء يعلو فوق مصلحة الوطن، مصلحة الوطن باكمله وانه لا يقصد بالوطن الريف فقط بل يقصد به كل شبر من أرض هذا الوطن ”
يحمل دلالة سياسية كبرى، لأنه يعكس انسجاماً مع الثوابت الوطنية المنصوص عليها دستورياً والمبنية على الوحدة الوطنية والترابية. وهذه المواقف من شأنها أن تفتح آفاقاً نحو معالجة ملفك في إطار المصالحة والبحث عن حلول تراعي القانون وتخدم المصلحة العليا للوطن.