استقبل خبراء وفاعلون سياسيون الموقف الصادر عن الحكومة الإسبانية بخصوص مبادرة الحكم الذاتي بارتياح وإشادة بانتصار إستراتيجي للدبلوماسية المغربية، وهو ما يؤشر على تغير كبير في سياسة الاتحاد الأوربي تجاه القضية نفسها، خاصة مع استحضار موقف مماثل لدولة مؤثرة داخل التكتل الأوربي، وهي ألمانيا وقبلها فرنسا.
هذا التحول المعبر عنه خلال فترة قصيرة من قبل دول كانت إلى وقت قريب تقف في وجه المبادرة المغربية يدفع إلى التساؤل حول مستقبل قضية الوحدة الترابية بأعين الاتحاد الأوروبي، الذي دعم القرار الإسباني الأخير، كما يسائل السياسة الخارجية لبعض الدول التي تعد “حليفا كلاسيكيا” للمغرب، ومن المفترض أن تعبر عن مواقف أكثر وضوحا تجاه أزمة عمرت أزيد من 60 سنة.
مكاسب متتالية
عبد الفتاح البلعمشي، أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي بجامعة القاضي عياض بمراكش، ورئيس المركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات بالرباط، قال إن “الموقف الإسباني جاء في سياق دولي يعرف فيه المغرب تحقيق العديد من المكتسبات القانونية والسياسية والدبلوماسية، بالنظر إلى قرارات مجلس الأمن منذ 2016 وإلى اليوم، آخرها القرار 5602، والتي تصطف إلى جانب المبادرة المغربية للتسوية المتمثلة في مقترح مشروع الحكم الذاتي، ثم افتتاح العديد من القنصليات العامة بالأقاليم الجنوبية للمملكة كإجراء قانوني يؤكد دعما مباشرا لمغربية الصحراء”.
وأوضح البلعمشي أن “العديد من الدول عبرت عن مواقف تقر بمغربية الصحراء، على رأسها أمريكا، وكذا دول مجلس التعاون الخليجي، وعدد من الدول الصديقة والشقيقة في إفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية؛ أما في السياق الأوروبي فالشركاء الأساسيون للمغرب، مثل فرنسا وإسبانيا وألمانيا وإيطاليا، وإن لم يصرحوا بشكل واضح بمواقف ضد الوحدة الترابية للمملكة، إلا أنهم لا يعبرون بشكل صريح عن موقف داعم لمغربية الصحراء، كما حصل مؤخرا مع ألمانيا، وبعدها إسبانيا”.
وفي ما يتعلق بالتعاطي الفرنسي مع ملف الصحراء، أورد الباحث ذاته أن “فرنسا سلكت مسارين، الأول أممي”، وزاد موضحا: “غالبا ما تكون إلى جانب الموقف المغربي عند اتخاذ قرارات مجلس الأمن، لكن الحكومة في باريس تحاول دائما البقاء على المسافة نفسها مع المغرب والجزائر على حد سواء”.
كما قال المتحدث ذاته إن “ما يعطي أهمية قصوى للموقف الإسباني الجديد هو أن إسبانيا لها علاقة مباشرة بهذا الملف، وكانت تحتضن العديد من
المنظمات غير الحكومية الفاعلة والمدعومة من قبل خصوم الوحدة الترابية للمغرب، وخصوصا الجزائر، ما يفسر ارتفاع بعض الأصوات في إسبانيا ضد قرار الحكومة، خوفا على ضياع مصالحها المباشرة، بحيث أفادت تقارير بأن هذه الجمعيات تعد بالمئات”.
لا بد أن يؤثر الموقف الإسباني الجديد على مواقف الدول بأوروبا، وعلى الاتحاد الأوروبي، والدول الناطقة بالإسبانية، بحسب الباحث ذاته، مردفا: “وإن كان الموقف الفرنسي مقبولا في عمومه فإن وضوحا أكبر في هذا الموقف بات مسألة ملحة، خصوصا بعد مواقف كل من الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا وإسبانيا”.
وفي السياق نفسه قال المتحدث ذاته إن “السياسة الخارجية المغربية بخصوص ملف الصحراء أصبحت ترفض ازدواجية المواقف من الوحدة الترابية، بالخصوص من الشركاء الاقتصاديين الأساسيين، وهو ما عبر عنه الملك محمد السادس خلال خطاب المسيرة الخضراء سنة 2021″، وزاد: “من جانب آخر لم يعد مستساغا تعامل دول أوروبا مع المغرب في إطار ملفات معزولة”، وتابع: “اقتصاديا يعتبر المغرب شريكا موثوقا، وفي الإشكالات الدولية كالهجرة
والهواجس الأمنية التي يبلي فيها البلاء الحسن يختلف الموقف حسب المصلحة، وسياسيا تتضارب المواقف بخصوص الوحدة الترابية بين هذه الدول”.
واستطرد البلعمشي: “نحن اليوم أمام توجه جديد مفاده أن الشراكة جزء لا يتجزأ، وأن التعامل يجب أن يخضع لرزنامة متكاملة، والأساس كما أشار خطاب 20 غشت 2021 هو اعتبار المغرب شريكا ملتزما وموثوقا، لكنه طموح ويمارس سيادته بخصوص توجهاته الكبرى في السياسة الخارجية كما عبر عن ذلك الخطاب الملكي بمناسبة القمة المغربية الخليجية سنة 2016”.
مؤشرات إيجابية
بالنسبة لحسن بلوان، المحلل والباحث في العلاقات الدولية، فإن “أهمية الموقفين الإسباني والألماني من قضية الصحراء تكمن في كونهما ظلا إلى حدود الأمس القريب يعارضان علانية الدينامية التي عرفها الملف أوروبيا وأمريكيا، لذلك يعتبران اختراقا إستراتيجيا للمملكة المغربية”.
وقال المتحدث ذاته، في تصريح لهسبريس، إن “المغرب يتحرك دبلوماسيا داخل الفضاء الأوروبي وفق ثلاثة مستويات؛ أولها دول صديقة تربطها علاقات وثيقة به وتدافع عن مصالحه العليا، مثل فرنسا وبريطانيا، والثاني دول كانت مترددة وتتبنى مواقف غير متوازنة كألمانيا وإسبانيا، وأخيرا دول مازالت بعيدة عن المطالب المغربية المشروعة، خاصة بعض الدول الاسكندينافية”.
وفي هذا السياق يتابع بلوان: “تنوع دبلوماسية المملكة من اتصالاتها داخل الاتحاد الأوربي على المستوى الفردي والجماعي، من خلال العلاقات الثنائية، وكذلك مع أجهزة ومؤسسات الاتحاد التي بدأت تقتنع أكثر بأهمية قضية الصحراء بالنسبة للمغرب”.
ويرى الباحث ذاته أن “التغيير الإيجابي الذي عبرت عنه كل من إسبانيا وألمانيا واكبته تحركات مغربية على مستوى أوروبا الشرقية كفاعل أساسي في التكتل الأوربي؛ وبذلك يمكن القول إن توجهات السياسة العامة للاتحاد الأوربي تتجه نحو تبني مواقف أكثر توازنا ووضوحا في قضية الصحراء المغربية”.
وفي هذا السياق ذكر المتحدث عددا من المؤشرات، يتعلق الأول بكون “العلاقات المغربية الأوروبية تاريخية وإستراتيجية، وتتطور باستمرار رغم العراقيل ومحاولات التسميم التي تقوم بها الجزائر وأبواقها الانفصالية داخل أجهزة الاتحاد الأوربي”؛ أما المؤشر الثاني فيهم “إعلان الاتحاد الأوروبي لأكثر من مرة أنه لا يعترف بأي كيان وهمي في الصحراء المغربية، ويرتبط باتفاقيات اقتصادية تشمل الأقاليم الجنوبية للمملكة، تتجدد وتتطور باستمرار، ثم دعمه الموقف الإسباني الأخير باعتماد خطة الحكم الذاتي كأساس واقعي وجدي وذي مصداقية في ظل هذا النزاع المفتعل”.
وبناء على المؤشرات سالفة الذكر فإن “المواقف الجديدة لإسبانيا وألمانيا يمكن أن تساهم في تبلور مواقف جماعية صادرة عن مؤسسات الاتحاد الأوربي تعترف بمغربية الصحراء، وتؤيد الحكم الذاتي كأساس لحل النزاع، خاصة إذا ما تم اختراق دول أوربا الشمالية على غرار دول شرقها”، وفق المتحدث ذاته.
وكان وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة قد دعا في تصريحات سابقة الاتحاد الأوروبي إلى “الخروج من منطقة الراحة الخاصة به ودعم الدينامية الإيجابية الجارية في الصحراء المغربية”.