للقضية الفلسطينية حضور بارز في الوجدان المغربي، حتى اقترن اسم المغاربة بأشهر أحياء وبوابات القدس، فالمغاربة كانوا دوما في طليعة المدافعين عن القضية العادلة، لقد شكلوا غالبية الجيش الفاطمي الذي غزا به صلاح الدين الأيوبي بلاد الشام وحارب به في عدة جبهات، وثم استوطن بعض من المغاربة مدينة القدس بجوار الحرم القدسي الشريف الذي سُمّي اليوم بحارة المغاربة.
يحكي المؤرخ المغربي أحمد بن خالد الناصري، في كتابه “الاستقصا” أن صلاح الدين الأيوبي الذي كان يحارب الصليبيين في الشرق بالملك المغربي المُوحدي الخليفة يعقوب المنصور، الذي كان بدوره يحارب حينئذ النصارى في الأندلس، فأغاثه الملك الموحدي بعد أن جهز له 180 سفينة حربية أرسلها إلى الخليفة صلاح الدين الأيوبي لصد الهجوم الصليبي البحري على كل من فلسطين والشام.
صلاح الدين الأيوبي تمسك بالمغاربة بعد نهاية الحرب ضد الصلبيين، طالبا منهم الاستقرار بشكل دائم بمدينة القدس، التي سالت على أسوارها دماء كثيرة. ووقف وزير العدوان الإسرائيلي موشي ديان، ذات يوم، أمام شاهدة “حي المغاربة” بعد حرب الخامس من يونيو1967 المشؤومة، بعنجهية المنتصر الذي يسعى إلى الانتقام من ماضي الحضور الإسلامي في فلسطين، معلنا عن بداية التأريخ للاستعمار الإسرائيلي الاستيطاني للقدس.
المغاربة كانوا منذ القديم يتطلعون روحيا إلى القدس والمسجد الأقصى. لذلك، لَبوا النداء الأول، من أجل الذود عن فلسطين، عندما دعاهم صلاح الدين الأيوبي إلى ذلك، فَهَب المغاربة في عهد السلطان يعقوب المنصور، لنجدته بالدعم الحربي والأسطول البحري.
ونظرا لكثرة المغاربة المقيمين في مدينة القدس فلقد ابتنى لهم القائد صلاح الدين الأيوبي حيا خاصا بهم، عُرف باسم “حي المغاربة” وما زال موجودا إلى حد الآن، وأنزلهم فيه مُنزلا كريما بأن وضع لهم وَقْفا جاريا، وقال صلاح الدين الأيوبي بهذه المناسبة، شهادة عرفان وتقدير في حق بطولات المغاربة “(أسْكَنْتُ هناك مَن يثبتون في البَر ويبطشون في البحر، وخير من يُؤتمنون على المسجد الأقصى وعلى هذه المدينة)”.
الحضور الوجداني للقضية الفلسطينية في نفوس المغاربة ظهر منذ الاحتلال الأجنبي، لا سيما مع بروز الحركة الإصلاحية المغربية والمقاومة الشعبية. إذ تطلع المغاربة في تلك الفترة إلى الانخراط والتضامن مع الكفاح الفلسطيني في حرب 1948، وقاموا خصوصا في شمال المغرب بالمظاهرات السلمية والاحتجاجات الشعبية.
وتحكي شواهد تاريخية، عن حدوث مشادة عنيفة بمدينة القصر الكبير، التي كانت فيها جالية يهودية كبيرة، حيث نظمت مسيرات احتجاجية بين اليهود القصرويين والسكان المسلمين بعد حرب 1948، نتيجة لعرض مسرحي بسينما “بيريس كالدوس”، اعتبره اليهود مسيئا لهم، لأنه يتطرق لصُلح الحُديبية الذي جرى بين المسلمين واليهود في عهد الرسول. ولقد انتهت هذه المواجهات بتدخل شرطة السلطات الاستعمارية، بعد وقوع جرحى من كلا الجانبين.