طائراتٌ روسية تُجْـــبَر على النزول بمطارات مغربية

تجد طائرات مدنية روسية نفسها مجبرة على تغيير مسار رحلاتها، حيث يتوقف بعضها في أحد المطارات المغربية، عندما تكون متجهة نحو أمريكا اللاتينية، بسبب الحصار المفروض عليها أوروبّيًا، على خلفية الإكتساح الروسي لأوكرانيا.

 

 

غير أن مطارات المغرب لن تكون فقط محطات عبور فحسب، بل ستصبح وجهات مفضلة للسياح الروس، بعدما حثتهم سلطات موسكو على قضاء عطلاتهم في بلاد الشمس و البحر و الصحراء.

 

 

 

تلك أولى الثمار التي قُطفت من بستان العلاقات المغربية ـ الروسية، حيث اختارت الرباط التزام الحياد في الحرب التي تدور رحاها على الأراضي الأوكرانية.

 

وكان المغرب فضّل عدم حضور جلسة التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار يدين روسيا و يطالبها بالوقف الفوري لعملياتها العسكرية في أوكرانيا وبالإنسحاب من هذا البلد.

 

 

 

الموقف المغربي يتلخص في احترام سيادة كافة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، و التأكيد على تجنب استخدام القوة لتسوية النزاعات بين الأقطار، ولم يتضمن أية إدانة صريحة لروسيا؛ ما فهم منه مراقبون أن لهذا الموقف أبعاداً سياسية و اقتصادية، تراعي مصالح المغرب بالدرجة الأولى، من حيث حرصه على تنويع شركائه الكبار، و تركيز الإهتمام على قضية الصحراء، في أفق كسب المزيد من المؤيدين لموقفه المتمثل في منح الأقاليم الجنوبية للبلاد حكماً ذاتياً تحت السيادة المغربية.

 

المغرب، اليوم، بعيد عن قائمة “الدول غير الصديقة” التي نشرتها موسكو جراء تداعيات تدخلها في أوكرانيا. و من نتائج ذلك استمرار العلاقات الإقتصادية بين البلدين بشكل طبيعي، رغم أن الحرب الروسية الأوكرانية أعادت تشكيل التجارة العالمية و سلسلة التوريد، بعدما فرضت الدول الغربية عقوبات اقتصادية و مالية شديدة على موسكو.

 

وترى موسكو في الرباط أحد أهم شركائها في القارة الإفريقية، إذ تشهد الصادرات الروسية نحو المغرب توجهًا إيجابيًا، فقد زادت بنسبة 20 بالمئة العام الماضي، وفق تصريح أدلى به الممثل التجاري للفدرالية الروسية في المغرب، أرتيوم تسينامدزغفراشفيلي، لوكالة “تاس” الإخبارية.

 

 

 

ويستورد المغرب من روسيا منتجات مختلفة، يأتي في مقدمتها الفحم و أنواع الوقود الصلب المماثلة، ثم زيت الغاز و زيت الوقود والهيدروكربونات الغازية و البنزين البترولي و الكبريت الخام و غير المكرر و الألمنيوم الخام. كما يستورد القمح و الأسمدة الطبيعية و الكيميائية و المواد البلاستيكية.

 

وتجدر الإشارة هنا إلى أن روسيا، أحد أكبر مصدري المحروقات في العالم، زودت المغرب بنسبة 10.1 في المئة من احتياجاتها من الغاز البترولي عام 2020، بحسب إحصائيات “مكتب الصرف”.

 

و بينما تتقدم الصادرات الروسية بشكل ملحوظ، فإن الصادرات المغربية إلى السوق الروسية تتطور بوتيرة أقل. في نهاية 2021، ارتفعت بنسبة 11 في المئة. و بالتالي، ما تزال روسيا مستفيدة إلى حد كبير من تجارتها مع المغرب، لأن الميزان التجاري يميل نحو موسكو.

 

و خلال السنوات الأخيرة، تمكن البلدان من بناء تعاون يساعد على تنمية التجارة، حيث وصل حجمها إلى 1,6 مليار دولار، خاصة بعد الزيارة التي قام بها العاهل المغربي محمد السادس إلى موسكو عام 2016.

 

وإذا كانت الرباط و موسكو تسعيان باستمرار لتعزيز شراكتهما الإقتصادية، فإن الجدير بالإنتباه أن كلًا منهما يسعى لتحقيق مصالحه الخاصة: يبحث المغرب عن شركاء جدد لتقوية استقلاله عن الإتحاد الأوروبي، بينما تبحث روسيا عن بدائل لضمان إمداداتها الزراعية. كما أن بروز المملكة المغربية كقوة اقتصادية إقليمية في إفريقيا، يجعل منها بوابة محتملة للإستثمار الأجنبي المباشر الروسي في القارة السوداء.

 

في سياق متصل، يعدّ المغرب المصدّر الثالث للأسمدة للبرازيل بعد روسيا و بيلاروسيا. و من أجل تجنب النقص المحتمل فيها بسبب العقوبات الدولية و تصعيد العمل العسكري الروسي، تواصلت الحكومة البرازيلية مع مجموعة “المكتب الشريف للفوسفات” المملوكة للدولة المغربية، من أجل تأمين شحنات الأسمدة لقطاعها الزراعي، و تعد هذه الشركة رائدة في مجال تغذية النبات و أول منتج في العالم للأسمدة الفوسفاتية.

 

و ردّ الكرملين على العقوبات الغربية من خلال حظر تصدير سلسلة من المنتجات، بما في ذلك الأسمدة و المعدات الطبية و السيارات و المنتجات الزراعية و الكهربائية، و كذلك بعض منتجات الغابات مثل الأخشاب.