رهان سانشيز في ولايته الجديدة: إعادة التوازن لعلاقات مدريد مع الجزائر والرباط

بعد أن تمكن رئيس الوزراء الإسباني المنتهية ولايته، بيدرو سانشيز، من الحصول على ثقة البرلمان لتشكيلة حكومته الجديدة، ما يضمن له ولاية جديدة من أربع سنوات، فإن أكبر الملفات الخارجية التي تواجهه قضية العلاقات مع الجارين الخصمين، المغرب والجزائر، وهو رهان سيخوضه سانشيز في الأربع سنوات المقبلة من حكمه بكثير من الحذر والتروي.

ولم يكن من قبيل الصدفة تزامن نجاح سانشيز في البقاء على رأس الحكومة، مع تعيين الجزائر لسفير لها في مدريد بعد حوالي 20 شهرا من القطيعة. ووافقت مدريد بسرعة على طلب الجزائر تعيين عبد الفتاح دغموم سفيراً لها، لإنهاء قطيعة بدأت باستدعاء الجزائر سفيرها من مدريد، احتجاجاً على دعم إسبانيا للمقترح المغربي المتعلق بالحكم الذاتي في إقليم الصحراء.

 

وفي الوقت الذي تضرّرت فيه العلاقات الإسبانية-الجزائرية كثيراً خصوصاً بعد تعليق الجزائر اتفاقية “الصداقة وحسن الجوار”، تحسنت فيه العلاقات المغربية-الإسبانية كثيراً، وترجم ذلك زيارتين لبيدرو سانشيز إلى المغرب مرتين ولقائه بالملك محمد السادس في إحداها، ثم نجاح البلدين إلى جانب البرتغال في الفوز بتنظيم كأس العالم في أول تجربة أوروبية-إفريقية لتنظيم حدث ضخم مشابه.

 

وكان لافتاً تصريح بيدرو سانشيز، في كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، شتنبر الماضي، عندما قال بخصوص نزاع الصحراء إن بلاده “تؤيد حلاً سياسياً مقبولاً للطرفين في إطار ميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن”، ولم يشر سانشيز إلى تأييده السابق للحكم الذاتي المغربي، ما جعل الجزائر تعتبر تصريحاته إشارة إيجابية.

 

وأمام الضغط الداخلي من طرف بقية الأحزاب بدون استثناء، وأمام الأزمة مع الجزائر التي علقت اتفاقية الصداقة وحسن الجوار مع مدريد، وعلقت وارداتها من هذا البلد الأوروبي، تغير نسبياً خطاب الأمين العام للحزب الاشتراكي العمالي الإسباني.

 

والمثير أن سانشيز لم يدافع عن الحكم الذاتي وسط الاتحاد الأوروبي، ولم يعد يتحدث عنه، كما أنه بعث بإشارات الى الجزائر بأنه يحترم الشرعية الدولية مما جعلها تعيد سفيرها، لكن في الوقت ذاته، فإن سانشيز لا يُغضب المغرب، لأن حزبه، ورغم دعم قرارات الأمم المتحدة، لم يعد سياسياً متحمساً للدفاع عن موقف جبهة البوليساريو كما كان من قبل.

 

ويبدو أن الاتصالات في الكواليس لم تنقطع بين الجزائر وإسبانيا رغم القطيعة مؤخراً، وعلاقات الطرفين قوية تاريخياً، إذ لم تشهد زوابع كبيرة.

 

كما أن هناك عدة عوامل أعادت علاقات سانشيز مع الجزائر إلى الواجهة، منها انسلاخه عن الموقف الرسمي الأوروبي فيما يتعلق بالحرب على غزة، وتعديله في الأمم المتحدة لموقفه حول الصحراء، ثم استمرار دعوات الأمم المتحدة لأطراف النزاع بالتفاوض، وكذلك الضغوط الاقتصادية من عدة شركات إسبانية لم تكن راضية عن القطيعة، بحكم أن صادرات اسبانيا للجزائر أكثر من صادرات الجزائر نحو اسبانيا.

 

وكان سانشيز قد أكد قبل أيام إن حكومته الجديدة ستعمل في أوروبا وفي إسبانيا من أجل الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وهو أقوى موقف داخل الاتحاد الأوروبي لصالح الفلسطينيين، منذ بدء التصعيد الأخير.

 

وذكرت افتتاحية إلباييس الإسبانية، أن عودة السفير الجزائري إلى مدريد أملتها أسباب أخرى منها “البحث عن حلول مشتركة للمشاكل المشتركة، من الهجرة غير الشرعية إلى انتشار التنظيمات الجهادية في منطقة الساحل، وطموح الجزائر إلى تنويع اقتصادها”. وتضيف الصحيفة أن استئناف العلاقات إيجابي للشركات الإسبانية وكذلك للجزائرية، وأنه “يجب إعادة تفعيل معاهدة الصداقة بين البلدين”.

 

وشهدت علاقات إسبانيا مع جاريها الجنوبيين مداً وجزراً في عدة سنوات، خصوصاً مع المغرب. وكانت أزمة عام 2021 فارقة، عندما احتجت الرباط بقوة على سماح إسبانيا لزعيم البوليساريو إبراهيم غالي بالعلاج لديها، وهو ما رأته دوائر في الرباط استمراراً لسياسة إسبانية “عدائية”، ومن نتائج التوتر تدفق آلاف المهاجرين على مدينة سبتة، واتهمت مدريد حينها المغرب بـ”الابتزاز”.

 

لكن ذلك التوتر تحول إلى صفحة طُويت، وانتقل إلى الجانب الجزائري، التي رفضت دعم إسبانيا لمقترح الحكم الذاتي، ووصل الأمر حدّ تهديد الجزائر بفسخ عقد تزويد إسبانيا بالغاز إن هي نقلت جزءا منه إلى المغرب، ما جعل الجزائر تبين أنها طرف في نزاع الصحراء، رغم أنه كانت تشير سابقاً إلى أنها “طرف ملاحظ”.

في جانب آخر يقول مراقبون إن إسبانيا على المستوى الرسمي حاولت تاريخيا البقاء في خط الحياد في النزاع، لكن المفاجأة من موقف سانشيز بخصوص الدعم الذاتي يعود، حسب ما تؤكده إلباييس في كون حزبه الاشتراكي كان داعماً لمطالب البوليساريو في الأمم المتحدة.

وتبقى العلاقة المغربية-الإسبانية أكثر تعقيداً من نظيرتها الجزائرية-الإسبانية، بحكم أن إسبانيا كانت مستعمراً سابقاً لأجزاء كبيرة من المغرب، واستمرار الخلاف الصامت حول سبتة ومليلية، فضلاً عن خلافات ترسيم الحدود البحرية، لكن حالياً توجد العلاقات في أفضل حال، وأكدت مدريد قبل أيام أن هذه العلاقات استراتيجية.